شكر الله للحكومة سعيها، فهي لا يغمض لها جفن، من درجة تفكيرها في غبن المواطن، وأسباب تعاسته ومعاناته، ولذلك فقد فكّرت قبل مدة في حلّ بعض منها من خلال مشروع يبدو أنه يصبّ في سبيل رفع هذا الغبن، وهو مشروع استحداث ولايات منتدبة، وباستحداثها سيصل عدد الولايات إلى أكثر من تسعين ولاية عبر تراب الجمهورية. * * المشروع مازال حبيس أدراج الحكومة، لكن مسألة الإعلان عنه أصبحت مسألة وقت فقط..، والمثير أن الصحافة تناولت عشية الإعلان عن المشروع لأول مرة قبل سنوات بعض تفاصيله، ثم عاد المشروع إلى دائرة الظل، بعدما أثار الكثير من الإستياء لدى سكان بعض الدوائر التي يطالب أهلوها بترقية مدنهم إلى ولايات منتدبة، لاعتقادهم أن مثل هذه الخطوة ستمنح مدنهم بعض امتيازات الولايات من توفير مناصب شغل إضافية، ومنحها الأولوية في المشاريع الاستثمارية والسكنية..، ومثل هذا التفكير تدفع إليه حالة القلق واليأس لدى المواطن الذي أصبح يطارد الشغل والسكن، كما يطارد خيط الدخان. * ومن المدن التي من المنتظر أن ترقّى إلى ولاية منتدبة مدينة عين وسارة بولاية الجلفة، وهي نموذج يصلح لأن يكون مثالا حيا للمدن الطاردة إذا صحّ هذا التعبير، حيث الكثير من أبناء هذه المدينة يعيشون خارجها بحثا عن الخبز والاستقرار، وأولئك الذين لا يجدون حيلة لمغادرتها..، وترقية مدينة مثل عين وسارة إلى ولاية منتدبة، يعتبر مكافأة للمسؤولين المحليين بها على سوء تسييرهم لهذه المدينة التي توسّعت خلال عشريات من الزمن بشكل كبير، لكنها أفرزت مدينة لا تحمل من المواصفات سوى صفة أنها مدينة خالية من روح المدينة التي تصلح للحياة. والأسباب كثيرة أهمها أنها لا تتوفر على مقاييس المدينة الجميلة، ولا المدينة التي تبعث على الحياة. وترقيتها إلى ولاية منتدبة معناه محاولة لتسيير الأزمات التي تعيشها هذه المدينة وعلى رأسها سوء تسيير الماء، والعقار وتصريف شؤون الناس. * ولا شك أن مدينة عين وسارة، ليست المدينة الوحيدة من بين المدن المرشحة للترقية، التي تحمل هذه الأمراض، ولكنها مثال واضح لحالة التشوّهات والعلل التي توجد عليها المدن الجزائرية.. * وليس غريبا أن تفرز مدن بالمواصفات الجزائرية كلّ الأمراض الاجتماعية التي نعيشها كل يوم من انتحار وسرقة وتعاطي مخدرات، وغيرها كثير، لأن المدن التي تستوعب حاجات الإنسان الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، لا تدفع أبدا الناس باتجاه وضع حد لحياتهم، ولا تحول حياتهم إلى ما يشبه الجحيم، وترقية تلك التجمعات السكانية المختلّة إلى ولايات أو غير ذلك، إنما هو هروب إلى الأمام من حقيقة مواجهة المشاكل التي يتخبط فيها الجزائريون مع كلّ إشراقة شمس نهار جديد..