تخفيض الدينار دمر القدرة الشرائية وأفرغ زيادة الأجر الأدنى من محتواه طالب بنك الجزائر من جميع البنوك التجارية بعدم تحويل أي مبالغ بالعملة الصعبة خاصة بفواتير استيراد السلع والخدمات من الخارج، لم يتم تسويتها بعد 360 يوم من جمركتها بالنسبة للسلع، أو منذ تاريخ صدور الفاتورة بالنسبة للخدمات، مهما كان نظام الدفع المعتمد، إلا في حالة تحديد مدة التسوية في العقد أو الاتفاقية المالية بطريقة صريحة، وأن يكون التصريح بالاستدانة الخارجية مطابقا للتشريعات المعمول بها. * وشدّد بنك الجزائر حسب التعليمة التي تحمل الرقم 180 صادرة يوم 13 أكتوبر الفارط، نسخة منها بحوزة »الشروق«، على أن الحالة الثانية التي يسمح فيها بتسوية الفاتورة هي وجود حكم قضائي من الجهة الأجنبية ضد جهة جزائرية سواء كانت شركة أو مؤسسة عمومية أو خاصة. * وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول في تصريح ل»الشروق«، إن السياسات المنتهجة من البنك المركزي ومنها اللجوء إلى إضعاف الدينار والدفع بالشركاء الأجانب لمتابعة الشركات الجزائرية العمومية والخاصة أمام المحاكم الأجنبية لا يخدم إطلاقا سمعة الجزائر، وهي إجراءات خاطئة وغير شفافة، فضلا عن كونها ستغذي التضخم على المدى المتوسط في حال استمرار الحكومة في اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، بهدف الحد من عجز الموازنة عن طريق رفع مصطنع لقيمة الجباية البترولية. * * ويعني منع الشركات من تسوية مستحقات واردات قامت بها قبل سنة من الخارج، أي إمكانية مستقبلية للتعامل على أساس القروض التقليدية التي كانت سائدة ومنها التحويل الحر أو تقديم المستندات، والاكتفاء مستقبلا بالقرض المستندي الذي تقرر في قانون المالية التكميلي للسنة الجارية. * وأكد مبتول أن النتيجة الواضحة للدينار الضعيف هي ارتفاع أسعار الواردات في الجزائر وبالتالي سنعرف خلال الفترات القادمة المزيد من التراجع الرهيب للقدرة الشرائية للجزائريين حتى وإن حاولت الحكومة تعزيز ذلك من خلال رفع الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، مضيفا أن ربط الدينار الذي كان نهاية السنة الفارطة عند مستويات صحيحة لقيمته الحقيقية بالدولار الضعيف سيدفع أسعار السلع والخدمات والمنتجات المصنعة والمواد الغذائية إلى الارتفاع بشكل رهيب بطريقة مباشرة وهي الوضعية التي ستتحول إلى ارتفاع نسب التضخم. * وبينما يستمر الدولار في الانحدار مقابل باقي العملات العالمية، يتوقع أن ترتفع تكلفة الواردات من أوروبا وجنوب شرق آسيا بالنسبة للجزائر، ولا سيما أن حوالي 90 بالمائة من الواردات الجزائرية قادمة من بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان أسيا. * وتابع مبتول أن السياسة المنتهجة من طرف بنك الجزائر المركزي سياسة خاطئة من الناحية الاقتصادية، لأنها أدت إلى حرمان المواطن الجزائري والاقتصاد الوطني من المكاسب التي حققها النفط قبل الأزمة المالية العالمية، كما يقوم البنك اليوم بحرمان ومعاقبة الشركات الإنتاجية الجزائرية العمومية والخاصة التي تستورد مدخلاتها من الخارج بكلفة مرتفعة بالمقارنة مع نظيراتها في المغرب وتونس وحتى في المنطقة العربية، وبالتالي فإن السلع الجزائرية ستكون عاجزة نهائيا على منافسة السلع العربية والأوروبية والأسياوية التي تدخل إلى الجزائر. * من جهته كشف بوعلام مراكش رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، أن أرباب العمل سيطالبون من الحكومة خلال لقاء الثلاثية القادمة مطلع ديسمبر القادم، توضيح السياسة المنتهجة من طرف البنك المركزي في تحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الرئيسة ومنها الدولار والأورو وحتى الين الإسترليني، مضيفا أن المؤسسات الجزائرية الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الخارج في التزوّد بالمنتجات نصف المصنعة أصبحت مجبرة على التوقف نهائيا على الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار مدخلاتها بنسبة تتراوح بين 15 و25 بالمائة وهي نسب تخفيض الدينار مقابل الدولار والأورو، التي قررها بنك الجزائر بدون استشارة القطاع الاقتصادي. * وقال مراكش، سنطالب الحكومة بإعطائنا توضيحات حول الكيفية التي يقوم بها بنك الجزائر منفردا تحديد قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الرئيسية العالمية، مضيفا أنه ما دام التحكم في العجز يتم عن طريق التلاعب بسعر صرف الدولار، فإن عجز المؤسسة الجزائرية عن الإنتاج وخلق مناصب الشغل والتصدير، مستحيلا، مضيفا أن البنوك المركزية في الدول ذات الاقتصاديات الحقيقية لا تقوم بالتلاعب بسعر العملة المحلية بطريقة تسبب في تدمير الاقتصاد والقدرة الشرائية في نفس الوقت. * وأكد مراكش أن الحكومة تجبر شركات القطاع الصناعي العمومية والخاصة على شراء العملات الصعبة بغير أسعارها الحقيقية لأن سعر الدينار يتم تحديده بطريقة إدارية لأهداف غير اقتصادية، وبالتالي تقوم الحكومة بالحكم بالوفاة على الإنتاج الوطني غير التنافسي في عقر داره أمام منتجات دول حققت تقدما كبيرا في التحكم في التكاليف. * وقال عبد الرحمان بن خالفة في تصريح ل»الشروق«، إن الدول التي تقرر إضعاف عملتها عادة هي الدول التي يقوم اقتصادها على التصدير مثل الصين واليابان وأوروبا وحتى الولاياتالمتحدة وبعض الدول الناشئة مثل الهند والبرازيل وروسيا، أما بالنسبة لحالة الجزائر فإن إضعاف العملة مكلف جدا لأن الهدف الوحيد الذي تتوخاه الحكومة هو زيادة مداخيل البلاد من الجباية البترولية من مصادر اصطناعية غير إنتاجية، وبالتالي يكون للعملية أثار سلبية داخلية مباشرة على القدرة الشرائية وتراجع تنافسية المنتجات المحلية، كما أن جزء من العجز العمومي يتم تغطيته بهذه الطريقة. * وقال مبتول، من الناحية التقنية، الحكومة خاسرة على طول الخط، لأن تخفيض قيمة الدينار بهدف الحد من الاستيراد كونها تعتقد أن العملية تصبح مكلفة عندما تتم بدينار ضعيف، هو هدف لن يتحقق للحكومة، لأن الواردات المسجلة خلال السنوات الفارطة والتي ناهزت 40 مليار دولار، أغلبها كان موجها للقطاع الإنتاجي وقطاع البنى التحتية، بمعنى أن تكلفة المشاريع العمومية سترتفع وتنافسية المنتجات الجزائرية ستتراجع، فماذا ستربح الحكومة هنا عندما تخفّض الدينار بنسبة 15 بالمائة مقابل الدولار وتتجه لاستيراد 65 بالمائة من حاجاتها من السلع والخدمات من الاتحاد الأوروبي بعملة قوية أصلا أمام الدولار الذي يعد عملية التصدير الوحيدة في الجزائر، والأخطر أن تخفيض العملة يؤدي إلى زيادة نزيف العملة الوطنية نحو الخارج.