في خضم التحولات الجارية، والتصعيدات الحاصلة، بين جناحي نظام الحكم في الجزائر، من خلال الحرب الدائرة رحاها بين أنصار الرئيس بوتفليقة، وجناح المؤسسة الأمنية ممثلة في مديرية الاستعلام والأمن "المخابرات" يرسم رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، صورة مركبة عن ثنائية صراع الأجنحة في البلاد. وصف مقري الصراع الحاصل بين جناحي النظام، بالتوازن غير المتكافئ بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات، الذي ورثته السلطة منذ نشأتها، وشبه الصراع الحالي بنفس الحالة التي عاشتها البلاد غداة الاستقلال، بين الجناح العسكري بقيادة بومدين، والجناح الرئاسي بقيادة بن بلة، حيث فرض الأول الثاني رئيسا للجزائر المستقلة بالقوة، غير أن هذا التعايش بين الرجلين والمؤسستين لم يعمر طويلا، حيث انقلب بومدين على بن بلة. ويبرز مقري في هذه النقطة أن قصر مدة التعايش بين المؤسستين لم ينعكس سلبا على الوضع العام للبلاد، عكس التعايش بين المؤسستين في عهد بوتفليقة. وبرأي المتحدث فإن الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، هو الوحيد من بين الرؤساء الذين حكموا الجزائر منذ الاستقلال، الذي استطاع أن يحيد المؤسسة العسكرية وشقها الأمني، وذلك في النصف الثاني من مرحلة حكمه، غير أنه لم يلبث أن لقي نفس المصير الذي لقيه الرئيس الأسبق، أحمد بن بلة، في بداية التسعينيات، التي شهدت عودة المؤسسة العسكرية إلى الواجهة مجددا، بدفع الرئيس الشاذلي للاستقالة. وأوضح مقري الذي نزل ضيفا على "الشروق" أنه لما طال عمر التوازن غير المتكافئ "15 سنة" بين مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات، تضرر الوضع كثيرا في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد، بعد أن أصبح القطبان يسيران الدولة، فكل واحد يتصرف كيفما شاء، فبالرغم من معرفة الجناحين لبعضهما البعض، إلا أن لا أحد منهما يعترف بالآخر. أضاف المتحدث أنه في الأيام الأولى من حكم بوتفليقة، كان كل طرف يدرك بأنه لا يستطيع الإجهاز على الطرف الآخر، وبالتالي حدث نوع من التعايش طيلة عشر سنوات، غير أن دخول العنصر الجديد وهو المال بصفة غير مسبوقة، خلال الفترة الأخيرة من حكم بوتفليقة، أنهى شهر العسل بين جناحي النظام. وتابع رئيس "حمس" أنه في العهدة الأخيرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة "بداية الألفية الثالثة" أصبح للمال دور كبير في تفسير الحالة السياسية الجزائرية، وأضاف أنه في السابق كان قطبا "الرئاسة والأمن" هما اللذان يتحكمان في المال ورجالاته، أما الآن فقد انقلبت المعادلة، وأصبح رجال المال والأعمال في ظل الوفرة المالية التي تشهدها البلاد، هم من يشترون من يريدون في هرم السلطة، أين أضحى مدنيون ليس لهم أي صفة سياسية يتحكمون في مصير البلاد ويحكمون باسم الشعب دون تفويض منه، مبرزا تأثير هؤلاء على تسيير الملفات الكبرى للبلاد. وما زاد من تغول هؤلاء -يضيف المتحدث- تفشي الفساد وتعميمه على مستوى جميع المجالات والأصعدة، وذكر أن البلاد تحولت بذلك من دولة مترهلة على حد تعبير الراحل الشيخ محفوظ نحناح، إلى دولة متميعة.
قال إن الحديث عن تقصير في حماية بوضياف وبوتفليقة قضايا خطيرة .. مقري: الأولوية الآن لمنع انزلاقات اهدد الجزائر .. وليس للرئاسيات دعا رئيس حركة محتمع السلم، عبد الرزاق مقري، مصالح العدالة إلى فتح تحقيق في جدية التصريحات التي جاءت على لسان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، والتي استهدفت رئيس جهاز الاستعلامات والأمن، "الفريق توفيق"، المدعو محمد مدين. وقال مقري، الذي نزل ضيفا على منتدى "الشروق" أمس، معلقا: "من أدلى بهذه التصريحات معروف، والمستهدف معروف أيضا، والملفات واضحة. سعداني لم يتحدث بالتلميح، بل حدد الشخص والملفات. إذن أركان القضية متوفرة، وما على العدالة سوى أن تتحرك لتقوم بدورها. إما أن تقول إن تصريحات سعداني غير صحيحة وبالتالي يتحمل تبعات ما صدر عنه، وإما أن تفتح تحقيقا في دور المؤسسات الأمنية وتكشف الحقيقة". وأضاف رئيس حركة مجتمع السلم: "إذا لم تتحرك العدالة في هذه القضية، فيمكننا القول إننا لسنا في دولة قانون. خطورة الأمر هي أن من أدلى بهذه التصريحات هو الأمين العام للحزب الحاكم، وليس مسؤول حزب معارض، يمكن أن تؤخذ تصريحاته على أنها مناكفة سياسية". واستطرد: "على القضاء أن يفّعل القانون في كل الاتجاهات، وهنا لا أدعوه أن يعاقب سعداني، بل أن يحقق في كل الأمور، لأن حديث سعداني خطير، عندما يتحدث مثلا عن التقصير في حماية رئيس الدولة المغتال، محمد بوضايف، والرئيس بوتفليقة في زيارته إلى باتنة.. إنها قضايا خطيرة جدا وشائكة، ويتعين معالجتها". واعتبر الرجل الأول في "حمس" تصريحات عمار سعداني، "دليلا على وجود مشكل داخل النظام، وهو ما يجعلنا نخشى من أن تؤدي الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى حدوث انزلاقات قد تعرض استقرار البلاد للخطر"، مبرزا أن الأولوية الآن ليست للانتخابات الرئاسية وإنما للحفاظ على استقرار البلاد. واستغل مقري المناسبة ليحذر من مخاطر تصارع الأجنحة داخل النظام على السلطة، مشددا على أنه "لا يوجد خطر على استقرار البلاد إلا من النظام نفسه، ليس فقط بسبب أزماته الداخلية، وإنما بسبب تناحر أجنحته من أجل الكرسي، وتفشي ظاهرة الفساد وتراجع الاقتصاد الوطني وفشله في تحقيق التنمية". وبالمقابل وجه مقري انتقادا إلى الأمين العام للأفلان على ما اعتبره استفاقة متأخرة: "نقول لسعداني: لماذا لم ينتفض عندما زورت الانتخابات التشريعية الأخيرة لصالح الحزب الذي يقوده، وغيره من الأحزاب الموالية للسلطة؟" وقدر بأن هذه التصريحات "لا علاقة لها بمصلحة البلاد". وتابع: "هناك هلع وارتجاج داخل منظومة الحكم، وعلى وجه التحديد بين مديرية الاستعلامات والأمن والرئاسة، وهو صراع قديم متجدد، بدأ فيما عرف بأزمة صائفة 1962، التي تعود إلى البدايات الأولى للاستقلال، ثم ما تبع ذلك فيما عرف بالتصحيح الثوري في 19 جوان 1965".
العدالة مطالبة بالتحرك في تزوير جمع التوقيعات عبر رئيس حركة مجتمع السلم عن استغرابه للتصريحات التي صدرت عن وزير الدولة وزير الداخلية، الطيب بلعيز، الذي نفى فيه أن يكون قد تلقى رسالة من رئيس الجمهورية تفيد بنيته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال ضيف "منتدى الشروق": "يجب أن يفتح تحقيق مع الأحزاب التي تجمع التوقيعات للرئيس بوتفليقة من أجل الترشح. هذا فيه تزوير واستعمال المزور، ويجب أن يكون محل تحقيق من طرف مصالح العدالة"، وقدر المتحدث بأن هناك من الدلائل والبراهين ما يحتم على العدالة التوجه نحو فتح تحقيق، وقال: "هناك سياسيون ومسؤولون في أحزاب معروفة يصرحون علنا بأنهم شرعوا في جمع التوقيعات. من أين حصلوا على الاستمارات، مادام الوزير المعني يقول إنه لم يتلق رسالة من الرئيس للترشح؟ أليس هذا تزويرا واستعمال المزور؟ يجب على القضاء أن يتحرك ويخرج البلاد من وضعية اللاقانون التي توجد فيها". وتدل التطورات التي تشهدها الساحة السياسية على حد تعبير مقري، عن ضعف الرئيس المنهك بالمرض، وعدم قدرته على التحكم حتى في أقرب المقربين منه فضلا عن "عدم قدرته حتى على إدارة هذا الصراع"، الذي يدور في خلاصته حول شخص مريض، إلى درجة تساءل فيها مقري حول ما إذا كان بوتفليقة "يدرك ما يدور حوله، وهذا ما يزيد الوضع خطورة، طالما أن الصراع باتت تحركه المصالح الشخصية"، مضيفا أنه: "يستحي من أن يذكر التاريخ الإنحدار الذي آلت إليه البلاد". واعتبر مقري أن الحديث عن تفعيل المادة 88 من الدستور، والتي تتحدث عن إمكانية عزل الرئيس في حال عدم قدرته على ممارسة مهامه الدستورية، لم يعد لها أي معنى، في ظل حالة اللاقانون التي باتت تضرب مصداقية البلاد في الصميم، في الآونة الأخيرة، لافتا إلا أنه ليس هناك من شيء يمكنه أن يجمع هؤلاء الفرقاء بعد رحيل الرئيس.
سيناريوهان لصالح الجناح الرئاسي وسيناريو لفائدة المخابرات توقع رئيس حركة مجتمع السلم ثلاثة سيناريوهات للانتخابات الرئاسية المقبلة، اثنان منها لصالح الجناح الرئاسي، والثالث لصالح جهاز المخابرات، غير أنه قدر بأن جميع هذه السيناريوهات لا تخدم المصلحة العليا للبلاد ولا الشعب الجزائري. وأوضح ضيف "الشروق" أن السيناريو الأول يتمثل في إمكانية ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، ويحسمها لصالحه بالنظر إلى المعطيات التي تميز الوضع السياسي الراهن، في إشارة إلى سيطرة الجناح الرئاسي على كل القطاعات التي لها علاقة بالاستحقاق المقبل، فضلا عن الدعم الذي يلقاه من الأحزاب التي اعتادت دعم توجهات السلطة، في صورة كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. أما السيناريو الثاني فيتمثل في إمكانية الدفع بمرشح آخر غير بوتفليقة، يكون مدعوما من طرف الجناح الرئاسي. ومعنى هذا أن هذا المرشح بإمكانه الفوز أيضا في الانتخابات الرئاسية، لأنه سيستفيد من كافة أشكال الدعم التي كانت ستسخر لفائدة الرئيس بوتفليقة لو ترشح. أما الاحتمال الثالث فيقوم على فرضية الانكسار من الجهة الأخرى (الجناح الرئاسي)، ويقوم هذا على فرضية عودة اللحمة إلى المؤسسة العسكرية بشقيها الأمني وقيادة الأركان. وهذا معناه أن تدفع المؤسسة الأمنية بمرشح في السباق الانتخابي، وبالتالي نعود إلى ما كنا عليه. ورفض مقري تشبيه ما يحدث اليوم بما حدث في رئاسيات 2004، التي تحالفت فيها الرئاسة مع المخابرات على حساب قيادة الأركان، وأوضح: "ما حدث في 2004، مخالف لما يحدث اليوم، لأن رفض قيادة الأركان التي كان يقودها الجنرال الراحل، محمد العماري، لترشيح بوتفليقة ووقوفها مع المرشح علي بن فليس آنذاك، لم يكن قرار مؤسسات، وإنما كان قرارا شخصيا". ولم يغفل رئيس "حمس" الدور الذي يمكن أن يلعبه العامل الخارجي في الحسابات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، وقال: "أنا لا أتصور أن يبقى الغرب بعيدا عن المشهد. الغرب ليس من مصلحته أن يقع الانفجار في الجزائر، لأن تداعياته الخطيرة ستصل إلى أوربا"، مشددا على أن "الموقف الغربي قد تشوبه بعض الاختلافات، غير أنه سيتفق في النهاية". ولفت مقري إلى أن الخوف من توقف تدفق الغاز سيكون عاملا فاعلا في بلورة الموقف الغربي والأوربي خاصة، من الوضع في الجزائر، غير أنه بالمقابل عبر عن مخاوفه مما قال إنها المؤامرة التي تحاك ضد جنوب البلاد، والتي تعود في تاريخها إلى عهد الجنرال ديغول في نهاية الخمسينيات.
منع المعارضة من تنشيط المقاطعة دليل خوف السلطة جدد رئيس "حمس" انتقاده لمنع وزارة الداخلية الأحزاب المقاطعة لرئاسيات افريل القادم من تنشيط حملات "المقاطعة"، واعتبر ذلك انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، ويؤكد كما قال "على أننا نعيش في بلد غير ديمقراطي، وان نظام الحكم يضيق ذرعا من الرأي المخالف، رغم امتلاكه لجميع الإمكانات من المال والإعلام والوسائل، ولكن رغم ذلك متخوف". وأوضح مقري أن حركته ستعتمد على وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي لشرح موقفها وإظهار أهميته وفائدته للبلد، مع التركيز على العمل الجواري، وتساءل بالقول "هل هناك من اتخذ قرارا في حياته، ولم يشرحه؟". وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت زيارة سلطاني للوزير الأول عبد المالك سلال، مباشرة بعد أشغال مجلس الشورى الذي قررت فيه الحركة مقاطعة الرئاسيات المقبلة، دليل على انقسام الحركة، إلى جناحين، معارض للسلطة، ومدافع عن المشاركة، قال عبد الرزاق مقري "إن الحركة فيها آراء وليس فيها أجنحة"، وأكد "أن قرار المقاطعة اتخذتنه الحركة بالإجماع"، مضيفا أن قرار المعارضة اتخذته الحركة قبل المؤتمر الذي انتخب فيه مقري رئيسا للحركة، وأوضح أن المعارضة جاءت استجابة وتلبية لمطالب القاعدة، وليس موافقة القاعدة لرأي القيادة. وتساءل مقري عن أوجه الرغبة في زيارة سلطاني لسلال، صحيح أننا لم نكن على علم بالزيارة، ولكن الأمر عادي وطبيعي جدا، وأبو جرة أوضح لنا ما دار بينه وبين سلال، مضيفا أن سلطاني كان قد برمج عدة زيارات من قبل حول مشروع إسلامي كبير، موسوعة إسلامية طلب منه المساهمة الجزائرية، وهو التقى مع العديد من الوزراء والمنظمات. وشدد المتحدث بالقول "الحركة ليست ثكنة، نعد فيها أنفاس الناس، أو نراقب تحركات المناضلين وإطارات الحركة، مبرزا أن سلطاني لم يخالف قوانين الحركة، ووفي لمبادئها، فالعالم مفتوح له".
النظام البرلماني الأفضل للجزائر استغل مقري، حالة الاحتقان التي يوجد فيها النظام القائم، في التأكيد على ضرورة تبني النظام البرلماني. وأوضح مقري أن النظام الرئاسي الذي يتمحور حول الشخص الواحد، تبين أنه لا يساعد على حل المشاكل التي تستهدف النظام السياسي، خاصة في دول العالم الثالث. وقال: "ما يحدث الآن، يؤكد صدقية ما ذهبت إليه حركة مجتمع في مواقف سابقة، وهي ترى "أن النظام البرلماني يوفر حلولا سياسية لدول العالم الثالث، التي يعتبر فيها النظام الرئاسي، نواة لنظام ديكتاتوري".
التقيت علي بن حاج في إطار المشاورات حول الرئاسيات نفى عبد الرزاق مقري معارضته لمحاولة الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، علي بن حاج، محاولة سحب استمارات الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وأكد أن محاولة توظيف تواجد علي بن حاج أمام وزارة الداخلية، دليل على أن الرئاسيات المقبلة مفتوحة. ودافع الرجل الأول في "حمس" عن حق علي بن حاج في التمتع بحقوقه السياسية، مستندا إلى إجراءات المصالحة الوطنية، مشيرا إلى أن حركته تقدمت بمقترحات كتابية في حينها لرفض حرمان أي جزائري من حقوقه السياسية. وفي السياق ذاته، كشف رئيس حركة مجتمع السلم عن لقائه بعلي بن حاج في إطار المشاورات السياسية التي أطلقتها الحركة في وقت سابق مع مختلف ممثلي الطبقة السياسية من أحزاب وشخصيات وطنية.