تعالت الكثير من الأصوات مؤخرا تستنكر التعامل الرسمي "بمكيالين" مع رحيل أبرز أعلام ومثقفي الجزائر.. وما زاد الطين بلة عدم تلقي جمعية العلماء المسلمين ولا عائلة العلامة محمد الأكحل شرفاء لتعزية من الرسميين في الدولة. في الوقت الذي تنافس "المتنافسون" في تقديم التعازي لأسرة الأديبة آسيا جبار، التي تزامنت جنازتها مع جنازة آخر تلاميذ العلامة عبد الحميد بن باديس.. ومجددا يعود الجدل بغياب أي تمثيل رسمي في جنازة الرئيس الشرفي للجمعية الإمام عمار مطاطلة، رحمه الله.. "الشروق" تقف عند أسباب غضب السلطة من جمعية العلماء المسلمين وخلفيات العلاقة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا في هذا الملف.
رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم ل "الشروق": بن فليس يدفع زكاته إلى الجمعية منذ 2003 ولا علاقة لترشحه للرئاسيات بالأمر اعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين، عبد الرزاق قسوم، برقية التعازي التي وصلت عائلة الشيخ عمار مطاطلة نوعا من التعويض عما حدث في حق شيوخ وأعلام آخرين وعلق في اتصال مع "الشروق" على العلاقة مع السلطة قائلا: "لا أقلل من قيمة آسيا جبار ولكن الأكحل شرفاء قدم الكثير لهذا الوطن. كل خدم الجزائر من مجاله. على الأقل على السلطة أن تعاملهما معاملة واحدة. فحتى في جنازة عمار مطاطلة لاحظنا غياب التمثيل الرسمي. وهو ما نأسف له كثيرا". وأضاف موضحا: "علاقة الجمعية عادية مع الجميع لسنا ضد السلطة ولا مع المعارضة موقفنا واضح ويتعلق بالنصح". سلال وعدنا بمقر جديد في براقي ونحن في الانتظار وأكد أن وعود السلطة حول تمكين الجمعية من مقر ومن ميزانية لا تزال قائمة: "طلبنا قطعة أرض بسيدي رزين ببراقي. قيل لنا إنه تابع لأملاك الدولة وهي الآن تقوم بالإجراءات وأكيد ستطلب رأي وزارة الشؤون الدينية". وعن مساعدة الدولة للجمعية ماديا قال: "للأسف جمعنا لقاء مع أحمد أويحيى بعد توزيع الميزانية ورغم ذلك قدم لنا 500 مليون سنتيم ووعدنا بأن يدخلنا في الميزانية القادمة ولكنه غادر. ثم قابلنا الوزير الأول عبد المالك سلال الذي استقبلنا بحفاوة ووعدنا بالمساعدة وقدم إلينا مليار سنتيم". وعن سر تقديم بن فليس مساعدة مالية للجمعية أضاف: "منذ 2003 وعلي بن فليس يقدم مبلغ 10 ملايين سنتيم من الزكاة إضافة إلى دفع اشتراكات لثلاثة أو أربعة أعداد من البصائر".
الناطق الإعلامي لجمعية العلماء المسلمين تهامي ماجوري للشروق: بن بلّة كان سلبيا مع الجمعية وبومدين تعاطف معها وبوتفليقة.. لا عداء ولا تبجيل قال ماجوري تهامي الناطق الإعلامي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأنّ حقيقة إصدار الجمعية لبيان، لا يقصد من ورائه مهاجمة طرف معين سواء السلطة أو المعارضة، وإنّما بغرض الإصلاح والوحدة، ودق ناقوس الخطر جراء أحداث كثيرة تعيشها الجزائر في الفترة الراهنة، في قطاعات شتّى كمجال التربية بإضرابات نقابات الأستاذة، وأحداث الجنوب على خلفية ما يحدث في مدينة عين صالح، وقانون العقوبات الجديد الذي صادق عليه مؤخرا المجلس الشعبي الوطني والمتعلق ب"العنف ضد المرأة" وغيرها. وأضاف ماجوري بأنّها الحقيقة، وبالتالي لابد من الجمعية بناء على دورها التربوي والإصلاحي التطرق إلى ما يحدث والتبشير بالخير والتنبيه بالعواقب.
بيانات الجمعية لا تهاجم السلطة أو المعارضة بل للتحذير فقط وأشار ماجوري في حديث جمعه ب"الشروق" بأنّ الجمعية لما تصدر بيانا يكون توضحيا وتحليليا لعديد الشؤون والقضايا التي تشعل الرأي العام الوطني، لا يقصد منها التوجه أو الانتقام من السلطة أو المعارضة أو باقي الأحزاب السياسية أو يخص مثقفين بعينهم أو فنانين أو غيرهم، بل يعتبر واجبا شرعيا وحضريا ووطنيا ولا يهمّ التأويلات أو الانتقادات والقراءات المختلفة له سواء من طرف الحكومة أو المعارضة أو شخصيات أخرى، مؤكدا بأنّ كلّ ما يصدر من بيانات وتوضيحات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تتحمل مسؤوليته.
الجمعية لا تملك ميزانية وممتلكاتها ستعود إليها أكدّ ماجوري تهامي بأنّ الجمعية لا تلمك ميزانية وما لها من أموال تحصلّه من مداخيل الإشهار أو اشتراكات المشتركين في المجلة، لافتا الانتباه إلى أنّ وعود الوزير الأولّ عبد المالك سلال بمنحه الجمعية مقرا جديدا، يكون بقيمة المؤسسة التي عملت على تنوير الشعب الجزائري ومجابهة المستعمر الفرنسي، تسير بوتيرة حسنة وفقا للإجراءات المتفق عليها مع الحكومة، أثناء زيارة وفد الجمعية إلى مقرّ حكومة سلال مؤخرا، في إطار زيارة مجاملة، تتخللها طرح انشغالات ومشاكل هذه المؤسسة، وما تحتاجه، لأنّ لها الحق في هذه الأمة، مشيرا بأنّ النقاش مع الحكومة دار حول عديد النقاط المهمة أبرزها ما يتعلق بجوانب الإدارة، وفيما يخص استرجاع الممتلكات القديمة للجمعية التي تحولت اليوم إلى مؤسسات رسمية من مدارس ومساجد، كذا ثلة من الأوقاف التي أصبحت تابعة لوزارة الشؤون الدينية، وهي تؤدي اليوم دورها كما في السابق يوم كانت ملكا للجمعية، ورغم أنّها تؤدي دورها كما في الماضي، إلا أنّ بعضها تحولّ إلى مستشفى وآخر تحولّ إلى مركز ثقافي وسكن وغيرها. وكمثال عن ذلك ذكر: "المقرّ الرئيسي للجمعية والمكتوب باسمها حولّ إلى سكن، تقطنه بعض العائلات، على أساس أنّه وقف تابع لوزارة الشؤون الدينية، بالإضافة إلى مدرسة باسم الجمعية في مدينة "طولڤة" ببسكرة، ومعهد ابن باديس بقسنطينة، وغيرها من الممتلكات التي لاتزال خارج ملكية الجمعية. وعن طرح هذا الانشغال للوزير الأولّ سلال أجاب مجوري بأنّ سلال وعدهم خيرا باسترجاعها، حيث توجد مساع، لكن دون استجابة فعالة لحدّ الساعة.
بن بلّة كان سلبيا مع الجمعية وبومدين تعاطف معها وموقف الشاذلي مختلف بالنسبة لتعامل رؤساء الجزائر المتعاقبين منذ الاستقلال مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أوضح مجوري بأنّها تختلف من عهدة رئاسية إلى أخرى، حيث تعامل الشاذلي مع الجمعية كان قصيرا جدا، بعد عودة الجمعية إلى النشاط سنة 1991، والرئيس الشاذلي بن جديد قدمّ استقالته سنة 1992، وبالموازاة تم الانتقال من الأحادية إلى التعددية الحزبية، مضيفا حسب رأيه الشخصي بأنّ الرئيس الشاذلي موقفه يختلف عن باقي الرؤساء الآخرين، لأنّه تزامن والانفتاح السياسي. سلال وأويحيى منحا الجمعية مليار و500 مليون وبن فليس زكاة سنوية ب10 ملايين وعن فترة الرئيس الراحل أحمد بن بلّة، قال بأنّ موقفه كان سلبيا بناء على الخلافات التاريخية بين الحركة الثورية وجمعية العلماء المسلمين، وبالتالي فالرئيس بن بلّة استعاد هذه الخلافات وغذّى بها تعامله مع الجمعية بعد الاستقلال. وفيما يخص الرئيس الراحل هواري بومدين، أشار ماجوري بأنّ بومدين أبدى تعاطفه مع الجمعية، خاصة وأنّها منعت من النشاط، قبل توليه الحكم، إلا أنّه لم يحدد موقفه بالإيجاب أو السلب من الجمعية وأعضائها، وإنّما موقفه المتعاطف تمثلّ في علاقاته القريبة منها كعلاقته مع الشيخ البشير الإبراهيمي وأحمد طالب الإبراهيمي.
بوتفليقة والجمعية.. لا عداء ولا تبجيل ومنذ تولي الرئيس بوتفليقة الحكم في سنة 1999، إلى غاية اليوم، ماتزال الجمعية تعاني من عدة مشاكل لم تحلّ لحدّ الساعة، وتأسف في هذا السياق ماجوري تهامي بأنّه من المفروض أن تأخذ الجمعية حقها من الاهتمام أكثر باعتبارها مؤسسة كبيرة ولها تاريخ مشهود، لكن هناك إهمالا إداريا يجهل سببه، هل يرجع إلى البيروقراطية، أم المعاداة للغة العربية وللعلماء المسلمين، أم لسبب آخر، موضحا في السياق ذاته بأنّ تعامل أو موقف الرئيس بوتفليقة لا يعدّ معاداة أي بمعنى لا يوجد عداء من قبل الرئيس، كما لا يوجد تبجيل أو تقدير واهتمام كبير من طرفه، وهو ما كانت تنتظره الجمعية، معربا عن أمله في أنّ الوضع سيتغير نحو الأحسن مع وعود الوزير الأولّ سلال الذي تحمل كامل المسؤولية في تحقيق احتياجات الجمعية.
سلال وأويحيى منحا الجمعية مليارا و500 مليون، وبن فليس يقدم زكاة سنوية ب10 ملايين وكشف المتحدث بأنّ الوزير الأولّ عبد المالك سلال منحهم السنة الفارطة 2014 من خزينة الدولة مبلغا ماليا، يقدر ب1 مليار سنتيم، تمّ صرفه على نشاطات الجمعية من ملتقيات وندوات ولقاءات فكرية ورواتب العمال وغيرها، بينما رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، يزور الجمعية سنويا، وكان يقدم مساعدات مالية كزكاة للجمعية من ماله الخاص كلّ سنة، لا تقلّ في الأحد الأدنى عن 10 ملايين سنتيم، إضافة إلى مال اشتراكاته في مجلة البصائر التي تقدر ب4 آلاف دينار جزائري عن 4 أعداد، أي كلّ عدد باشتراك 1000 دينار. أمّا رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى فقد منح الجمعية في عهدته من خزينة الدولة مبلغا ماليا معتبرا قدّر ب500 مليون سنتيم.
كلّ واحد يتحمل الممايزة في "الجنازة" أو "التعزية" علّق محدث "الشروق" ماجوري حول التعازي الرسمية التي تصدرها الرئاسة خلال وفاة فنان أو كاتب، بينما تقلّ وتكاد تنعدم أثناء وفاة عضو وعالم من علماء جمعية المسلمين الجزائريين بقوله: "لا يمكن أن نبني أو يمكن قراءة موقف الحكومة أو يتم جعلها كأعراض بخصوص الجمعية بناء على التعازي، لكن نحن نقول بأنّه يوجد نوع من الإهمال الرسمي، فتمنينا مثلا أن يحضر جنازة الراحل محمد الأكحل شرفاء وجوه رسمية كثيرة، إضافة إلى وزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني، والأمين العام السابق ل"الآفلان" عبد العزيز بلخادم الذي ينتمي للحزب الحاكم والذي زارنا بمقر الجمعية معزّيا. وأضاف ماجوري: كلّ واحد يتحمل "الممايزة" في مثل هذه الأمور ويقصد بقوله "التعزية أو الجنازة".
تأبينية الشيخ العلامة محمد الأكحل شرفاء في نادي الترقي بالعاصمة قدم الدروس في المسجد الحرام وترجم للإبراهيمي وعاش للعروبة اعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين الدكتور عبد القادر ڤسوم، أن اختيار تنظيم تأبينية الشيخ محمد الأكحل شرفاء في نادي الترقي جاء للوقوف على 32 سنة قضاها العلامة في هذا المكان يقدم المحاضرات الدينية إلى أن أنهكه المرض وألزمه الفراش. وأضاف: "إن الشيخ شرفاء عصامي، فهو لم يلتحق بمدرسة أو بجامعة، بل كون نفسه بنفسه، إلى غاية أن أصبح يتقن اللغة العربية وقواعدها والدين الإسلامي ومبادئه، كما يتقن اللغة القبائلية، إذ أنه كان يترجم اللغة القبائلية للشيخ البشير الإبراهيمي، إلا أنه كان يصر على أن اللغة العربية هي لغة الأمة الجزائرية باعتبارها لغة الإسلام وإحدى مقومات الهوية الجزائرية". مضيفا "كان مهتما بحال الأمة الإسلامية وخاصة القضية الفلسطينية، فقد كان ينبه في مختلف الدروس التي كان يقدمها أن فلسطين هي جزء من العالم العربي والإسلامي، وأن جمعية العلماء المسلمين تتبنى المبادئ التي تبنتها الحركة الوطنية في كفاحها ضد المستعمر الفرنسي والتي من بينها حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومساعدة الشعوب المضطهدة على التحرر". أما عن إجابته حول سؤال ما مصير نهج الجمعية بعده، فقد قال رئيسها أننا نحاول دفع الشباب أكثر إلى الحفاظ على مكتسبات ما حققته الأجيال الماضية، خاصة استقلال ومعالم الهوية الوطنية التي تمثل عناصر سيادة هذا الوطن. كما أن جمعية العلماء المسلمين تعمل حاليا من أجل جمع مختلف المحاضرات التي قدمها الشيخ شرفاء سواء داخل الوطن أو خارجه لتجعلها على شكل كتب، يستطيع الجميع الحصول عليها والاستفادة منها. أما الأستاذ عبد القادر فضيل، عضو في المكتب الاستشاري لجمعية العلماء المسلمين، فقد أشار إلى أن الشيخ شرفاء، اشتغل بوزارة الشؤون الدينية، كما كان أستاذا للغة العربية والعلوم الإسلامية في معهد تكوين المعلمين والذي كان مقره ببن عكنون، وذلك لأنه كان يتقن اللغة العربية، في الوقت الذي كانت الساحة العلمية في الجزائر تفتقد لأساتذة هذه اللغة، وتحاول استرجاع معالم هوية شعبها، وذلك غداة الاستقلال مباشرة. وعن الدروس التي كان يقدمها، فقد ذكر المتحدث أن الشيخ شرفاء كان يقدم الدروس في المسجد الحرام بالمدينة المنورة ومساجد مكة، إضافة إلى الدروس الحسينية في المغرب بحضور الملك المغربي محمد السادس، كما كان يخطب ويقدم عدة محاضرات في مساجد مختلف ربوع الوطن. وكانت هذه الدروس مليئة بالقيم الدينية الداعية إلى التسامح، العدل وحب الوطن. واعتبر وزير الشؤون الدينية السابق الدكتور سعيد شيبان، في تصريحه للشروق الشيخ شرفاء، نتيجة لبيئة مليئة بالمبادئ الإسلامية، والدفاع عن الوطن، خاصة وأنه أحد طلبة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وما يمثله هذا الأخير من كفاح وعلم في تاريخ الحركة التحررية الجزائرية، ولهذا يجب على الجيل الجديد أن يعي كل ما حققه هؤلاء ويحافظ عليه. و ي الكلمة التي تقدم بها نجل الشيخ شرفاء، السيد سيف الحق الأكحل شرفاء، فقد اعتبر أن الأمة العربية والإسلامية فقدت أحد أعلامها، خاصة وأن المرحوم كان يعيش من أجل الإسلام، الجزائر والعروبة، فقد دافع عن اللغة العربية نتيجة دفاعه عن الإسلام وفقه مبادئه، كما كان يتألم لحال مستوى اللغة العربية في العالم العربي في إطار ما يشهده العالم من عولمة ثقافية، فقد كان لا يفرق بين خدمة الإسلام وخدمة الجزائر، وعاش حياته من أجل هذه الفكرة إلى يوم وفاته، وهو بذلك كان يحاول تحقيق مقولة ابن باديس "أنا أعيش للإسلام والجزائر".