هذه أسباب خلافنا مع الزوايا وأحمد توفيق المدني ليس حجة علينا لن نقبل بسلطة المفتي الأوحد وقانون الجمعيات الدينية يناقض الدستور في هذا الحوار، يرد رئيس جمعية العلماء المسلمين على تصريح غلام الله الذي اتهم فيه الجمعية بالتخلي عن دورها والتساهل في وجه انتشار التيار السلفي المتشدد في الجزائر؛ حيث قال ڤسوم إن غلام الله ابن الجمعية وقد تنكر لماضيه فيها، مضيفا أنه ليس على أي أحد محاسبة الجمعية على أدوار مغيبة وإمكانيات لا تقدم لها، داعيا في ذات الوقت إلى إشراك العلماء في مناقشة قضايا مصيرية في البلاد مثل تعديل الدستور وقانون الجمعيات الدينية والمنظومة الدينية.ش تحتفل الجزائر بمرور خمسين سنة على استقلالها، في عجالة ماذا قدمت جمعية العلماء للجزائر ؟ جمعية العلماء المسلمين ساهمت في الإعداد لاستعادة الاستقلال قبل أول نوفمبر 1954، حيث جاءت جمعية العلماء التي تأسست عام 1931 كرد فعل على الاحتفال الذي نظمته السلطات الاستعمارية في عام 1930 احتفالا بمرور قرن على احتلال الجزائر، وهي تقول أنه لم يبق أي وجود للجزائر. حيث أقيم الاحتفال بهيلمان إعلامي صاخب في تحد سافر لمشاعر الجزائريين. في هذه الظروف جاء تأسيس الجمعية وبدأت في الإعداد لاستقلال الوطن.. وقد عملت الجمعية لتحقيق هذه الهدف بكل الوسائل الممكنة، منها توعية الإنسان الجزائري بانتمائه، ولا يمكن أن يحمل الإنسان السلاح بدون وعي، كما لا يمكن أن يقود شعب جاهل ثورة على الاستعمار، لهذا أعلنت الجمعية منذ البداية الحرب على الجهل الذي شمل الجنسين. وقد لا يتسع الوقت لذكر تاريخ الجمعية في نشر الوعي والتحضير لهبة وطنية كبيرة أوصلت البلاد إلى يوم الاستقلال. لكن يذهب البعض إلى الطعن في موقف الجمعية من الثورة، مستندين إلى مواقف بعض رموز الجمعية كالشيخ العقبي الذي يقال إنه وصف المجاهدين ب”الأوباش”، وهذا موثق ومنشور في مذكرات الشيخ أحمد توفيق المدني؟ أولا؛ ندعو المشككين في جمعية العلماء إلى أن يتعلموا ويتثقفوا حتى تنجلي عنهم الضبابية. وثانيا الشيخ العقبي بدأ في جمعية لكنه في النهاية انفصل عنها، وقصة انفصاله عن الجمعية يعرفها الجميع. الشيخ العقبي ليس حجة على الجمعية وأشك أنه قال هذا الكلام. وحتى وإن قاله فهو له استقلاليته وأفكاره ولا يحسب على الجمعية. والذين يقولون إن الجمعية لم تلتحق بالثورة من أول يوم، فهم مخطئون. هذه مغالطة لأنه يجب أن نفرق بين الانضمام الهيكلي والالتحاق بالمبدأ. الانضمام الهيكلي لا بد لأي مؤسسة أن تأخذ في الحسان كل الحسابات حتى تعلم من هي القيادة ؟ وكيف تتعامل مع الوقائع ؟ وهل تثق مثلا في القيادة، ولعلها كانت مكيدة من فرنسا ؟ أما الانضمام إلى المبدأ فقد فصلت فيه الجمعية من أول يوم لتأسيسها، حيث كان الشيخ البشير الإبراهيمي قد أصدر في 2 نوفمبر 1954، ثاني يوم لانطلاق الثورة، نداء من ”صوت العرب” يقول ”إما الموت أو الحياة وعليكم الانضمام إلى الجهاد”. ويوم 15 نوفمبر قدم الإبراهيمي والفضيل الورتلاني بيانا يساندون فيه الثورة. الذي لم يعش الثورة لا يعرف حقيقتها، لا نستطيع أن نكون إلا مع الثورة أو ضدها ولا وجود لموقف وسط في هذه القضية. بعد الاستقلال انقسم رموز الجمعية إلى فريقين: فريق كان له موقف قريب من السلطة (أحمد حماني، عبد الرحمن الجيلالي، شنتير، الشيخ الزبير، محمد الصالح الصديق.. وغيرهم) وفريق كان له موقف من السلطة (أحمد سحنون، عبد اللطيف سلطاني، الإبراهيمي، عمر العرباوي ومصباح الحويذق) هل كان خلافا من أجل المبادئ أم الأهداف؟ كان خلافا اجتهاديا، لا أستطيع أن أتهم محمد توفيق المدني والذين انضموا للعمل في الدولة أنهم كانوا ضد جمعية العلماء، وهم الذين اجتهدوا وقالوا أن البلاد استقلت وعلينا أن نساهم في بناء الجزائر؛ حتى لو لم تعد الجمعية موجودة. فالبشير الإبراهيمي هو الذي صلى أول جمعة في مسجد كتشاوة بعد الاستقلال، وقال الإبراهيمي في خطبته تلك ”أن الاستعمار قد رحل من حقولكم وإياكم أن يبقى في عقولكم”. والذين ذهبوا إلى التعاون مع الدولة هم محقون، لأن الجزائر دولتنا والاستعمار قد زال ويمكن لأي مواطن أن يخدم الجزائر تحت أي غطاء. أما الذين تحفظوا فقد كان ذلك بسبب مواقف السلطة آنذاك، فالرئيس أحمد بن بلة طلب منه في تلمسان عندما نزل في دار الحديث واحتفى به العلماء، طلب منه أن تمكن جمعية العلماء من العودة لأنها ليست حزبا سياسيا، فقال ”كل شيء ممكن إلا أن تعود جمعية العلماء”، وهذا على ذمة الشيخ عمار مطاطلة أمد الله في عمره. وثانيا أن الرئيس بن بلة توجه وجهة اشتراكية، هذا ما جعل العلماء يتحفظون بشأن مواقف السلطة. في 1964 وجه الشيخ الإبراهيمي نداء للسلطة قال فيه ”أنا رجلي في القبر وأدعو الحكومة الجزائرية إلى أن تعود إلى الأصل”. فوضع تحت الإقامة الجبرية. مع هذا نقول إن الذين كانوا مع السلطة لم يخونوا جمعية العلماء والذين رفضوا التعامل مع السلطة لم يكونوا ضد الجزائر. أسست الجمعية في البداية على أساس إصلاحي خاصة في العهد الاستعماري، هل بقي لها نفس الدور اليوم؟ دور جمعية العلماء اليوم، أهم مما كان عليه من قبل، لأن من قبل كان الاستعمار واضحا، استعمار استيطاني حضاري وإديولوجي، كان لا بد أن تتصدى له كل قوى المجتمع. الاستعمار اليوم يأتينا مقنعا في أوجه عدة يأتي في الأعلام المشوه، وفي اللافتات المكتوبة فقط باللغة الأجنبية، يأتي في المنظومة التربوية التي لا تولي اهتماما بدين الطالب ولا هويته ولا ثوابته ولا عقيدته. في هذه الظروف والأوضاع يتوجب على جمعية العلماء أن تبذل جهودا في توعية المواطنين بحقيقة ما يحيط بهم وهذا ما نحاول أن نقوم به. ولعلّ التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو ”غلو بعض الزايدين في الدين”. نحن ضد الغلو في الدين وضد استخدام الدين لأغراض العنف، نحن مع الإسلام الذي يبني ولا يهدم.. الإسلام الذي يوحد ولا يهدد. هذا هو الإسلام الذي نحتاجه في الجزائر وليس إسلام التطرف وإسلام الدراويش. قال وزير الشؤون الدينية مؤخرا؛ إن التيار السلفي انتشر في الجزائر لأن جمعية العلماء لم تقم بدورها ما هي رؤيتك؟ بهذا التصريح، الشيخ غلام الله يناقض نفسه، لأنه ابن مدارس جمعية العلماء المسلمين، وهو بنفسه قال تعلمت في معاهد الشيخ ابن باديس. أما عن دور جمعية العلماء، فنقول للوزير إنها غيبت ولم تغب عن دورها. فمنذ الاستقلال إلى 1989 غيبت الجمعية وأبعدت عن الساحة، وعندما عادت إلى النشاط وإلى هذه اللحظات التي أتحدث إليك فيها، لا تملك الجمعية مقرا خاصا بها ولا ميزانية من الدولة، والشيخ غلام الله يعرف هذا جيدا. والذين ينتقدون دور الجمعية عليهم أن يقدموا لها الإمكانيات التي تستفيد منها، ثم يأتوا ويحاسبوها على دورها. أما ونحن لا نملك الإمكانيات ولا أي دعم، فيكفي الجمعية أنها تقوم على جهود المتطوعين في تكوين الشعب وتسيير المكاتب. وهي لا تملك حتى مقرا يؤويها، والمقر الذي نتواجد فيه اليوم هو مدرسة كانت مخصصة لمنكوبي الزلازل ودخلنا إليها بفضل جهود المحسنين. تتهم جمعية العلماء بعد الاستقلال بمشاركتها في اضطهاد الزوايا والطرق الصوفية مستغلة توجهات الرئيس بومدين؟ برأيك ما حقيقة هذا الأمر؟ وما هو سر الخلاف بين الجمعية والطرق الصوفية؟ صحيح؛ كان هناك خلاف بين جمعية العلماء وبعض قادة الزوايا خلال العهد الاستعماري بسبب: أولا عدم التطبيق الحقيقي للدين من قبل بعض الزوايا وليس كلها، لأن هناك زوايا تقوم على تدريس القرآن وتطبيق حدود الل. وهذه الزوايا هي منا ونحن منها إلى اليوم. أما الزوايا التي كانت تنشر ثقافة الأضرحة والشطح نحن لسنا منها وليست منا. والخلاف الثاني أن بعض الزوايا نصبت نفسها معادية لجمعية العلماء عندما قبلت أن تكون جمعية مضادة لجمعية العلماء تحت غطاء الاستعمار، وثالثا أن بعض الزوايا هاجمت جمعية العلماء واتهمتها بأنها وهابية. وأطمئن الجميع أن هذا الخلاف التقليدي قد انتهى، أما كون السلطة تحابي بعض الزوايا على حساب الجمعية، فهذا موقف تسأل فيه السلطة ولا نسأل فيه نحن. نحن نحاسب فقط على مواقفنا هل فيها ما يمس بالدين الحقيقي والوحدة الوطنية والثورة الجزائرية والثوابت التي يقوم عليها البلد؟ تقولون إن جمعية العلماء تدافع عن اللغة العربية وقد كان لبعض رموزها مراكز مسؤولية في التربية والتعليم والإعلام مثل الشيخ عبد الرحمن شيبان (المفتش العام للتعليم سابقا حتى 1990) لكن نتائج المبادئ التي كانت الجمعية تدافع عنها في المجال، لم تظهر وفقا للبعض، هل يعني هذا أن الجمعية لم يكن لها نفوذ؟ يجب أن نفصل بين العهد الذي كان فيه الشيخ شيبان رحمه الله مفتشا للتربية والتعليم وكانت الجمعية موجودة بقوة في المنظومة التربوية من خلال رموزها أمثال الشيخ الخروبي وعبد القادر فضيل ”مهندس المدرسة الأساسية”، لكن بعد انقضاء عهدة هؤلاء جاءت فترة أخرى حطمت إنجازات المدرسة الأساسية. الشيخ شيبان أحيل على التقاعد وعبد القادر فضيل عزل من منصبه كما عزلت مجموعة من الإطارات التي كانت تحمل هذا الهاجس. رغم ذلك؛ لم نسكت ولم نصمت ولم نتخل عن المبدأ وواصلنا من خلال مقالاتنا وتدخلاتنا في مختلف المنابر والمناسبات التنديد بالمنظومة التربوية في شكلها الحالي. هل يتم إشراك الجمعية في القرارات التي تهم الأمة؟ نحن ندعو إلى العدل والمحبة والتسامح والأخوة والضرب على أيدي العابثين بالمال العام. وقد يزعج هذا المذهب البعض. نحن مغيبون عن مناقشات القرارات التي تهم الأمة. أثناء مناقشة قانون الجمعيات الدينية، كنا قد اتصلنا بالنواب وقمنا بتوعيتهم حول مشروع ”الجمعيات ذات الطابع الديني” الذي نرى أنه لا يستقيم في مجتمع بقول أن الإسلام دين الدولة ويناقض الدستور. نحن جاهزون أن تكون لنا أي مساهمة عندما ندعى إلى ذلك، فمن حقنا أن تكون لنا كلمتنا في تعديل الدستور القادم، وإذا لم ندع إلى ذلك سنعلن عن مواقفنا من خلال الإعلام. هناك اليوم حديث طويل عريض عن الخطر السلفي وضياع المرجعية الجزائرية، كيف تحللون الوضع، وما هي قراءتكم له؟ هذا يعود إلى تغييب جمعية العلماء عن العمل العميق، جمعيتنا ينبغي أن تشرك في التوعية الشمولية للوعي الديني وتوحيد المرجعية الدينية في البلاد، وتشرك في النقاش الذي سيدور في مجلس الفتوى الذي سيتم استحداثه. تغييبنا هو الذي أحدث هذه الفوضى، لو وجدنا في الساحة بفعالية لما أمكن لهذا الغلو أن يوجد لا من ناجية اليمين ولا من ناحية اليسار. على ذكر مجلس الإفتاء، هل أنتم مع مفتي الجمهورية أم مع مجلس للإفتاء وهل ستزكون شخصية من خارج الجمعية في حال طرحها؟ نحن مع مجلس إفتاء يكون على رأسه مفت، لأن عهد حكم الشخص الواحد انتهى. لا يمكن أن يفتي أي شخص لوحده في كل شيء مهما بلغ من علم، بل يجب أن يفتي من خلال مجلس يضم اختصاصيين من كل المجالات في الطب والفقه والفيزياء والطبيعية وعلم النفس والاجتماع، لكن مع البعد الديني الموجود. مثلا لا يمكن أن نقبل في المجلس بطبيب أو فريائي لا يملك بعدا دينيا. ونحن لا يهمنا أن يكون الشخص من داخل أو خارج الجمعية، الذي يهم أن يكون المفتي يتوفر على مواصفات تحظى بإجماع العاملين في الحقل الديني.