في ظرف أقل من أسبوع، خرج الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، مرّتين ليؤكد قرب وقوع تعديل حكومي، يكون حزبه هو المستفيد منه، مثلما لم يتوقف عن حملته ضد غريمه في التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، رغم التهدئة التي أعلنها الأخير. وكانت "الخرجة" الأولى في الاحتفاليات المخلدة لذكرى تأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وفيها قال سعداني إن الحكومة المقبلة ستكون "أفلانية"، أما الثانية فكانت أول أمس بمناسبة اللقاء الوطني لطلبة الحزب العتيد، وفيه قال إن شهر مارس سيكون مسرحا لتعديل حكومي. وجاءت "خرجات" الرجل الأول في الحزب العتيد، بعد أيام قليلة من برقية وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، التي نقلت عن "مصدر مأذون" من رئاسة الجمهورية، قوله إنه "لا يوجد في الدستور المعدّل ما يشير إلى حتمية استقالة الحكومة"، وهو الأمر الذي فُهم منه أن حكومة عبد المالك سلال ستبقى تمارس مهامها بشكل عادي. وقد خلّف إصرار الرجل الأول في "الأفلان" على الحديث عن تعديل حكومي وشيك، وكذا هجومه المركز والمستمر على أويحيى، جملة من التساؤلات حول خلفية هذا الإصرار، ولعل ما زاد من حدة التساؤلات، هو أن الحكومة الحالية يقودها وزير أول "أفلاني" (ولو بالتبني)، وهي الحكومة التي يحوز فيها الحزب 15 حقيبة وزارية، مقابل خمس حقائب فقط، للغريم "الأرندي". ويدرك الأمين العام للأفلان أن التغيير أو التعديل الحكومي من الصلاحيات الحصرية للرئيس بوتفليقة، وعادة ما يردد هذا الكلام في تصريحاته، لكن يبدو أنه لم يعط برقية وكالة الأنباء السالف ذكرها، المصداقية المطلوبة، باستمراره في الإدلاء بتصريحات كثيرا ما فهمت على أنها مطالبة ضمنية بحكومة أفلانية خالصة، ربما بحكم سيطرة حزبه على الأغلبية في البرلمان بغرفتيه. ويستشف هذا التوجّه من خلال تصريح سعداني الأخير، الذي قال فيه إن حزبه يرفض المبادرات والتحالفات التي تهدف إلى اقتسام الحكم، وكان يشير هنا إلى التحالف الرئاسي المنهار، الذي احتكر قيادة وتشكيل الجهاز التنفيذي، علما أن "الأرندي" يعتبر أحد أركانه الثلاثة، إلى جانب حركة مجتمع السلم. وبرأي عضو المكتب السياسي والمتحدث الرسمي باسم الحزب العتيد، حسين خلدون، فإن سر الانتقاد الدائم لأويحيى من قبل سعداني، إنما مرده إلى الخلافات الموجودة بين حزبي الأفلان والأرندي، وإن كان لم ينكر وجود قواسم مشتركة، لكنه تحفظ عن الخوض في مسألة التعديل الحكومي، كونها من صلاحيات رئيس الجمهورية. يقول خلدون: "سعداني لم يأت من لا شيء، فقد تبوأ في وقت سابق منصب الرجل الثالث في الدولة، ولا شك أنه يعرف تمام المعرفة، أويحيى، الذي تقلد بدوره مسؤوليات سامية في الدولة"، نافيا بالمناسبة وجود مشكل شخصي بين الرجلين. وأوضح الناطق الرسمي باسم الأفلان في اتصال مع "الشروق" أمس، أن سعداني عندما تحدث كان بصفته أمينا عاما، ومن ثم يتعين إدراج كلامه في سياق الدفاع عن مصالح الحزب السياسية، التي لا يجب أن تكون بالضرورة منسجمة مع طرح حزب آخر ولو كان يلتقي معه في بعض القواسم المشتركة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بحزب غريم ومنافس مثل الأرندي. ويعتقد مراقبون أن عدم توقف سعداني عن مهاجمة أويحيى، إنما يعد مؤشرا على أن "الأفلان" في عهد سعداني غير مستعد تماما للقبول بلعب أدوار أقل من حجمه، كما كانت الحال في عهد أمينه العام السابق، عبد العزيز بلخادم، الذي فرّط في منصب رئيس الحكومة ومن بعده الوزير الأول، كما جاء على لسان سعداني في وقت سابق.