أعاد المسرح الوطني الحياة لعدد من الفنانين الذين ظلوا لسنوات طويلة مجرد "ديكور" في المشهد الثقافي أو "ضيوف شرف" في المهرجانات الوطنية والدولية أو "معارضين" شرسين للمسؤولين على مختلف الدوائر الإبداعية.. وكان هؤلاء في مستوى التحدي، حيث راهنوا على عودة قوية تبرر مسلسل "القصف" الذي كانوا أهم أبطاله سواء في البلاتوهات التلفزيونية أم على كراسي مقهى "طونطونفيل" أو عبر صفحاتهم الرسمية على الفايس بوك.. بالفعل نجح أحمد رزاق في إعادة الجمهور إلى مبنى بشطارزي بمسرحية "طرشاقة".. وكم كانت المفاجأة كبيرة للجميع وهم يشاهدون غير مصدقين تدافع الجزائريين على شباك التذاكر، وهو المشهد الذي حذفته الظروف الأمنية ثم الكوارث الإبداعية من الذاكرة. لعب رزاق على وتر الرمزية ليقول كل شيء عن تراجع الحريات وشراء الذمم وغليان المجتمع ونفاق السياسيين وتلون "الإسلاميين".. باختصار قدم نصا عميقا جدا عن مجتمع لا تختلف حالته "النفسية" عن حالة "الزلاميط" أو "الترشاقة" أي "عود الثقاب".. مجتمع يعيش على صفيح ساخن وقابل للاشتعال في أي لحظة ولكن "الحب" يمنعه من إضرام النار في أحبته أو في وطنه فيختار الانتحار حرقا.. ويكون أحمد رزاق قد دق مسمارا في نعش "الرداءة" و"النمطية" و"التجارية" وغيرها من الأوصاف التي يمكن إسقاطها على الإنتاجات المسرحية الأخيرة. وبدورها لم تبخل نسرين بلحاج في إبراز مواهبها واستعراض قدراتها على خشبة "مصطفى كاتب"، حيث صالت "طيوشة" وجالت لترسم لوحات اجتماعية من وحي الواقع .. فوضعت أصبعها على الجرح ونقلت بذكاء أوجاع المرأة المشردة وانتقدت نظرة المجتمع لها. ورغم استعمالها غطاء الكوميديا إلا أن الجمهور كان يتلقى الرسالة تلوى الأخرى بكل وعي ويصفق مطولا لهذه المرأة التي لم تكسرها الظروف ولم تهزمها الذهنيات. حميد عاشوري وسميرة صحراوي وحكيم دكار وأسماء أخرى كثيرة فرت بجلدها من رداءة المسلسلات والسكاتشات وعادت إلى "أبو الفنون" بحثا عن "هوية" ضائعة.