لازال سكان ولاية الوادي يذكرون صائفة عام 2011 التي شهدت وفاة 7 شبان، في حوادث "غرق" بالرمال، ولا تعد الحادثتان اللتان وقعتا في منطقتين قريبتين وبفاصل زمني غير بعيد الوحدتين في المنطقة، إذ كثيرا ما "امتصت" رمال المنطقة التي تسحر الناظرين بجمالها شبانا ورجالا في عنفوان قوتهم عبر السنين. حسب أحد شيوخ المنطقة فإن تراب الولاية سبق له أن شهد مثل هذه الحوادث المميتة وأن الحادث الأخير ليس الوحيد في تاريخ المنطقة، وحكى لنا عمي "علي" الذي تجاوز تسعين عاما من عمره في هذا الإطار ما وقع في قرية وادي الترك التابعة لبلدية أميه ونسه في أوائل أربعينيات القرن الماضي عندما توفي تسعة رجال بعد أن حاصرتهم الرمال من كل جانب بما يشبه "الطوفان" الرملي وهم منهمكون في حفر "غوط نخيل" الذي يستوجب إنشاؤه، وحسب الطريقة السوفية إنجاز حفرة كبيرة يتراوح عمقها بين أربعة وخمسة أمتار وقطرها يتجاوز عشرين مترا.
فتوى إمام القرية يلجأ "السوافة" لاستعمال "الغوط" من أجل زراعة أشجار النخيل في الطبقة المائية مباشرة - ولم تفلح كل المحاولات في انتشالهم نظرا إلى عدم وجود الآلات الميكانيكية التي تساعد على ذلك ويذكر عمي علي كيف أن إمام القرية أفتى بترك جثث القتلى التسعة تحت الرمال وكيف صلى عليهم سكان القرية في ذلك "الغوط". كما روى لنا عمي "علي" قصة حزينة أخرى مشابهة وقعت في وائل الستينيات بإحدى القرى الجنوبية للولاية عندما توفيت عائلة كاملة تتكون من أربعة أشخاص بعد أن سقطوا في بئر وانهارت عليهم بعد ذلك الرمال المحيطة بها، وتوفي الضحايا الأربعة وهم نائمون فوق بئر فلاحي ردمت قبل سنوات قليلة من وقوع الحادث. أما القصة الأكثر مأساوية التي حكاها لنا عمي "علي" فوقعت قبل نحو ربع قرن في إحدى مزارع بلدية تغزوت، وذلك بعد أن انهمرت الرمال على أحد العمال الفلاحين لكنها لم تقتله في بادئ الأمر لأنها لم تكن بكمية كبيرة، بل أنها قامت بردم نصف جسده ولأنه كان يعمل مع ثلاثة أشخاص آخرين قام زملاؤه بطلب النجدة من سكان القرية، وهنا بدت دموع عمي "علي " تنهمر لأن الضحية وهو من معارفه "كان مازال على قيد الحياة عندما جئنا لنجدته" لقد قال للجمع الذين حضروا وقتها "أرجوكم.. تحركوا ببطء كي لا أموت" ويشرع بعدها في البكاء بعد أن لمح ابنه الذي لم يتجاوز خمسة السنوات من العمر وقتها بين الحضور وطلب أن يتكفل بعائلته بعد أن أيقن بمصيره، في موقف أبكى الحاضرين، ليقوم عدد من رجال القرية بإزالة التراب بالمجرفة اليدوية كما قام آخرون منهم بالمكوث فوق الكثيب الرملي الذي كان قريبا من مكان وجود الضحية لكي لا ينهار عليه، لتتوقف عملية نجدة الضحية بعد أن انهارت الرمال على الضحية ويلقى حتفه بعدها ويهرب كل من كان قريبا من مكان الحادث خوفا من أن تجرهم الرمال المتحركة معهم ولم يتمكنوا من انتشال جثته إلا بعد مرور ساعات طويلة.
الحماية المدنية مطالبة باكتساب تقنيات جديدة للتعامل مع الحوادث طبيعة التربة والسقي المكثف وراء الانهيارات الرملية أكد أحد المختصين في علم الجيولوجيا للشروق أن ما يقع من فترة إلى أخرى في ولاية الوادي من حوادث تبتلع فيها الرمال شبانا من سنة إلى أخرى، يرجح سببه بالدرجة الأولى، إلى الطبيعة الرملية لتربة منطقة وادي سوف، وتزايد استخدام المياه في الطبقات الباطنية للأرض بسبب السقي الذي يفرضه النشاط الزراعي في المنطقة. وأضاف محدثنا أن التربة في المنطقة، والتي تتسم بالهشاشة هي السبب الذي يؤدي إلى انهيار الرمال في كتلة واحدة من دون أن تترك فرصة للضحية للنجاة منها، كما تتسبب الرمال التي تغمر الضحايا، فيما يشبه الطوفان الرملي في حدوث اختناقات لهم، لكون الرمال لا تحتوي على مسامات تسمح للأكسجين بالنفاذ إلى الأسفل، عكس ما يحصل بعد وقوع الزلازل إذ كثيرا ما يوجد أحياء تحت الأنقاض رغم مرور أيام على وجودهم تحتها، لأن الصخور والحجارة تترك فراغات بينها تسمح للهواء بالمرور من خلالها، وهو الأمر الذي يفسر، حسب ذات المتحدث في نفس الوقت عدم شعور سكان المناطق الرملية بالزلازل في كثير من الأحيان، واستشهد محدثنا بالزلزال الذي وقع في ولاية الوادي خلال صيف 2007، والذي تجاوزت شدته خمس درجات على سلم ريشتر ولم يشعر به أحد تقريبا. وأشار محدثنا إلى كثرة وقوع مثل هذه الحوادث في المزارع، لكون أغلب المزارع في ولاية الوادي تعتمد على حفر آبار، فيها على عمق يتراوح بين خمسة وخمسة عشر مترا، وذلك لسقي المزروعات التي توجد فيها، لكن ومع مرور الزمن وكنتيجة للسقي الكثيف يتم استنزاف جزء كبير من المياه المحيطة بالبئر من الأسفل، والتي تتحول إلى فراغات هوائية كبير ة يصل قطر بعضها إلى خمسة أمتار وهو ما يتسبب في وقوع هذه الانهيارات الرملية التي تزيد أو تنقص قوتها تبعا لكبر أو صغر الفراغ الهوائي. ودعا مهندسون في الجيولوجيا، السلطات العمومية على مستوى ولاية الوادي، وخاصة مصالح الحماية المدنية إلى إيجاد أساليب جديدة تسمح على الأقل بانتشال جثث الغرقى في طوفان الرمال، خلال أقصر وقت ممكن وعدم تركهم لمدة طويلة تحت الأرض، كما وقع لأحد ضحايا الغرق بالرمال في بلدية تغزوت، عندما استغرقت عملية انتشال جثة الشاب محمد علي تنوسي أكثر من سبع عشرة ساعة، كما يسمح اختراع وسائل تقنية جديدة للبحث عن الجثث بحفظ جثة الضحية لأن استعمال الجارفات العادية في عملية الانتشال أدى إلى بتر أطراف عدد من الجثث في الحادثتين الأخيرتين.