يكشف الروائي محمد جعفر في هذا الحوار مع "الشروق" عن جديده الأدبي القادم، وعن العلاقة الفاترة والصراع الدائر بين الكتاب والمثقفين الجزائريين الذي ازدادت حدّته كما قال في ظلّ انتشار وسائط التواصل ك"الفايسبوك"، كما يوضح صاحب "هذيان نواقيس القيامة" أسباب ضعف الجوائز الأدبية في الجزائر. وصلت روايتك "مزامير الحجر" إلى القائمة القصيرة لجائزة محمد ديب في دورتها الخامسة.. لا أكتمك أنه مع نشري للرواية كنت متفائلا ومتحفزا، وتصورت أنه سيكون هناك شأن ل "مزامير الحجر"، خصوصا بعدما وقفت على آراء بعض الأصدقاء من الكتاب الذين نوهوا بالعمل وبقوته. لاحقا أغفل كل ذكر للرواية. ولم يصدر ولا مقال واحد بخصوصها (ما عدا مقال سمير قسيمي في العرب اللندنية). لم يحفل بها لا الإعلام ولا النقد حتى بدأت أشك في قيمة ما كتبته. ثم هاهي الرواية تعود مجددا، وهاهي تتقدم بثبات، القائمة القصيرة في حد ذاتها تتويج. وآمل أن يكون هذا دعوة للقراء والمهتمين بالشأن الثقافي والرواية على وجه الخصوص إلى الالتفات إليها مجددا هي وكل الأعمال المرشحة للقائمة القصيرة.
كيف تقيّم الأعمال التي ترشحت لنيل الجائزة؟ توقعت منذ البداية أن تكون الترشيحات قوية لسببين اثنين. أولهما أن جائزة محمد ديب عريقة ومعروفة وتشهد دورتها الخامسة. كما سبق لكتاب ألمعيين أن فازوا بها. كمال داود كمثال. وثانيا، أن الجائزة تجمع بين القصة والرواية. أي أكثر من فن. وعندما ظهرت القائمة الطويلة تأكدت تخميناتي. فقد جمعت القائمة كتّابا لهم أكثر من إصدار كما سبق لبعضهم الفوز بجوائز وطنية ودولية. وهكذا اعتبرت أن روايتي أمام منافسة حقيقية، وعليها أن تثبت جدارتها. وأعتقد أيا كان الفائز يجب أن يحتفى به ويروج له كما يليق.
في الجزائر تغيب الجوائز الأدبية الكبرى التي تخلد عمالقة الأدب الجزائري، برأيك لماذا؟ ما نحتاجه في الجزائر هو التأسيس لتقاليد أدبية. فأن تظهر جائزة ثم تختفي بعد دورة أو دورتين لسبب أو لآخر لأمر معيب. وعليه فتكافل الجميع ضروري ومهم. ما نحتاجه حقا مبادرات شخصية من مثقفين ورجال أعمال يرعون الثقافة. والجميل أن "جائزة محمد ديب" جائزة ترعاها جمعية محمد ديب، على عكس الجوائز التي ترعاها الدولة مباشرة. أن نتعلم كيف نسهم في بناء الثقافة وأن نقدم لها قبل أن نأخذ ونجني منها هذا هو الأهم وهذا ما يجب أن يتكرس.
هل ما استحدث من جوائز كجائزة آسيا جبار "للرواية" مثلا وجائزة "الدولة للآداب والفنون والعلوم" التي أعلن عنها رئيس الجمهورية مؤخرا؟ كافية لأن تفعّلّ الساحة الأدبية وتبث روح المنافسة بين الكتاب؟ لنكن أكثر الصراحة ولا داعي لأن نغطي الشمس بالغربال. الجوائز المستحدثة مهمة، ومع ذلك تبقى ناقصة وتكاد تخلو من أهمية. نعم القيمة المالية قد تسهم في تحسين وضع الكاتب إلى حد ما، لكن ما نحتاجه حقا هو الإشهار والدعم الإعلامي. وللأسف لا تقف الجزائر على مثل هذه الإمكانات التي إن تحققت قد تعلي من شأن أي كاتب. والخليج العربي صار اليوم مؤثرا ومنافسا لدول رائدة في المجال الثقافي فقط لأنه عرف كيف يؤسس لفعل ثقافي جدير وملفت بأن سخر له كافة الإمكانات ولم يبخل عليه بشيء. "اليد الواحدة لا تصفق".
هل من أعمال أدبية توشك على الانتهاء منها بعد "مزامير الحجر" و"هذيان نواقيس القيامة" و"ميدان السلاح"؟... مع تفصيل بسيط إن أمكن؟ أشتغل حاليا على أكثر من عمل في نفس الوقت. كلما اقتربت من أحدها سارعت بتركه لصالح عمل آخر. لم أقرر بعد أي واحد يجب أن أنتهي منه. أحتاج حقيقة إلى دعوة من هذه الأعمال. أن تسلمني زمامها. ربما بعد المعرض سأتفرغ وأختلي بنفسي قليلا لأتقدم في رواية "صديقي الكلب". هي الأقرب إلى القلب الآن. العمل يعالج الراهن. وأنا "نحب البوليتيك" هذا ما يمكنني قوله في الوقت الحالي.
العلاقة بين الكتاب الجزائريين اليوم كيف تشرّحها؟ عرفت الساحة الثقافية في الجزائر ومنذ بداياتها صراعات وأزمات، وحاليا يمكن القول إن الأمور ازدادت حدة، خصوصا وقد ساهمت وسائط الاتصال بما فيها "الفايس بوك" في إحداث شرخ كبير بين المبدعين والمثقفين على العموم. الحالة لا تسرّ وتسير نحو مزيد من الانسداد. الغيرة والحسد وأمراض أخرى تبدو متفشية. ويكاد البعض لا يجد دعما مناسبا حتى إذا تقدم عمله لجائزة عربية أو دولية. ليس هناك غير النقمة وكثير من الاستخفاف والاستهزاء. لا أحد يقدر أو يثمن. والكل يحط من قيمة الكل. نحتاج إلى كثير من الوقت لنتعلم احترام بعضنا البعض.