تضمن المعرض الدولي في طبعته ال21، الكثير من الكتب الجديدة لمؤلفين عالميين سجلوا بصمة في مجال الرؤية السياسية المستقبلية للدول العظمى في العالم، وأعطوا تحليلا معمقا للنظم السائدة والسابقة التي سجلت مسارا تاريخيا قويا، وقد قامت دور نشر شاركت في معرض سيلا بطبع كتب لمؤلفين ومؤرخين غربيين، تمت ترجمتها من طرف أساتذة جامعيين وكتاب عرب. وقد عرضت دار الكتاب العربي اللبنانية، طبعة جديدة مترجمة للكتاب الذي احدث جدلا كبيرا في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكان أكثر قراءة خلال 2015 بعد صدوره، الحامل لعنوان "البوتينية.. روسيا ومستقبلها مع الغرب" للمؤرخ والباحث الأمريكي وولتر لاكوير حيث قام الدكتور فواز زعرور بترجمته خلال السنة الجارية إلى العربية. "البوتينية" هو تقييم آفاق روسيا المستقبلية وبعض الأمم، والمشروع الروسي بالتطرق لثنائية"إيديولوجيا كان أو عقيدة"، حاول المؤرخ المخضرم والتر لاكوير، تقليل احتمالية العودة إلى ما سمي سابقا ب"الحرب الباردة" بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا، حيث تميز لاكوير، في تفكيره وتنبؤاته حول الأحداث في روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، عن غيره بإعطاء تحليلات في غاية الدقة. وعرض من خلال كتابه"البوتينية"، وصفا محكما ودقيقا حول الانعطافة المدوية التي أقدمت عليها روسيا في الآونة الأخيرة نحو المحافظة. ويشخص الصورة الكبيرة للمجتمع الروسي مع تسليط الضوء على كيفية تجذر السياسات الحالية داخل شبكة معقدة من الظواهر الاجتماعية والثقافية والتاريخية المتتابعة والتي تعود إلى المرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي. يكشف كتاب"البوتينية" عن ثقافة محافظة متأصلة بعمق وواسعة الانتشار في المجتمع الروسي، حيث يستعرض لاكوير، إيديولوجية انعزالية رجعية ويبرز الدعائم الثلاثة التي ترتكز عليها هذه الإيديولوجية، وهي أولا الإيمان الراسخ بالكنيسة الأرثوذكسية، حيث يقول في الكتاب "نظام الحكم الذي يتبعه الرئيس فلادمير بوتين يعتمد على الرؤية الروسية التقليدية بوجوب كون روسيا دولة قوية، ذات قيادة قوية، والعمل على الربط بين التقليد القومي والديني للدولة، إلى جانب ترميم قدراتها العسكرية التقليدية ويرى أن نظام الحكم الحالي هو مزيج من القومية والتمسك بالدين المسيحي، وهو نظام حكم قوي جدا لا مكان فيه يذكر للمعارضة الروسية، ويتصور روسيا على أنها روما الثالثة. وبهذا التحليل ، يثبت وولتر لاكوير أن دعم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لقرار بوتين بشن غارات جوية في سوريا لم يأت من فراغ، إنما هو إيمان الكنيسة بأن ذلك "معركة مقدسة" وإيمان لدى بوتين الذي أعلن أن انضمام "شبه جزيرة القرم" لديه دلالة مقدسة، حيث تشارك الكنيسة اليوم في العملية السياسية الروسية. الدعامة الثانية من الدعائم التي يجتمع عليها الحس الشعبي الروسي حسب لاكوير، الحس القوي بالانتماء "الأوراسي" الذي يعتبره الروس قدرا يؤمنون به، أما الثالثة فهي وسواس عصبي قهري من أعداء أجانب، حيث يجد بوتين أيدولوجية من خلال ذلك في ممارسة تأثير قوي على عامة الشعب الروسي. اعتبر الباحث الأمريكي وولتر لاكوير، فهم كل هذه المحطات التاريخية مفتاحا لفهم شخصية الرئيس الروسي الحالي، وفهما واضحا لسياساته والدعم الشعبي له. يعكس مصطلح "البوتينية"، حسب الكاتب، مفهوم النظام الاستبدادي، الذي يقوم على آليات السلطة الراسية، مجموعة من أوامر تنطلق من الأعلى نحو الأسفل، حيث جاء الكتاب في فترة توتر سياسي بين الولاياتالأمريكيةالمتحدةوروسيا، جراء عدة عوامل بينها ضم روسيا القسري شبه جزيرة القرم، واتهامها بإسقاط الرحلة رقم 17 للخطوط الجوية الماليزية.