نائب رئيس الفيفا اهتم بدعوة الجزائر إلى مراجعة نظام التسويق التلفزيوني لكرة القدم الدولية لم يتردّد طارق بن عمار مسؤول قناة "نسمة تي في" في التهجّم على سياسة الجزائر الاتصالية خلال الندوة الدائمة للسمعي البصري في منطقة المتوسط المنعقدة بين 8 و11 أفريل الجاري، لكنّ التجني على سياسة الجزائر لم يمرّ دون ردّ فكان أن وجّه بدر الدين ميلي المختصّ في شؤون الاتّصال انتقادات حادة لمسؤول "نسمة"، وصلت إلى حدّ التلاسن.. في هذا الحوار الذي خصّ به بدر الدين ميلي "الشروق" تفاصيل ما حدث بالعاصمة الفرنسية باريس. * ما الذي حدث فعلا في الكوبيام. هناك أخبار تقول إنّ ملاسنات وقعت بين ممثلي التلفزيون الجزائري، وممثلي قناة "نسمة"، وأنّك تطوّعت للدفاع عن التلفزيون؟ * من النقاط الأساسية التي أثارتها الجلسة الأولى من أشغال الندوة الخاصة بمشروع القناة الثقافية المتوسطية، وهو المشروع الذي يرجع إلى سنة 1990، والذي ينتظر الفصل فيه خلال مؤتمر جوان المقبل لقمة المتوسط. ولمناقشة المشروع تشكّلت لجنة مكوّنة من رئيس الإذاعة الدولية ورئيس تلفزيون "آرتي" ورئيس المجلس الأعلى للسمعي البصري ورئيس "نسمة تي في"، وهي أسماء معروفة في المجال، وتملك نظرة وخبرة فيما يتعلق بحاجات واهتمامات المشاهد في حوض البحر الأبيض المتوسط. وتعرضت أغلبية المتدخلين للجانب القانوني من المشروع بغضّ النظر عن الدخول في مناقشة الشبكة البرامجية، أو لغة الانتشار، أو دعائم البث وتمويله، لأنّ كلّ هذا في نظر أغلبية المختصّين الحاضرين يتطلب الكثير من العقلانية، والتصورات الموضوعية التي لن تكون جاهزة إلاّ بعد تفكير وعمل طويلين. كانت الأمور تسير على هذا النحو من المنطق إلى غاية تدخل رئيس قناة "نسمة تي في" طارق بن عمار الذي عنون مداخلته بالتالي "أول قناة مغاربية في التاريخ تستعمل اللغة الفرنسية واللّهجة العامية، ويشاهدها 10 ملايين شخص في اليوم"، ونستشف من خلال هذه التصريحات أنّ السيد طارق يعتقد نفسه البطل الذي أنتج فيلم "المسيح" لميل جيبسون. وأمام هذه الادّعاءات وجدت أنّ من مسؤوليتي كملاحظ إعلامي شارك على مدار عشر سنوات في ال "كوبيام" أن أرد على طارق بن عمار، وجاء ردّي كالآتي: * - "نسمة تي في" التي لم تكن موجودة قبل سنة لا تستحق هذه الهالة، لأنّ النجاح في الوقت القصير لا يعدّ مضمونا، ولو أنّ مشروع هذه القناة يرجع إلى ثلاث سنوات عندما قرّر المنتجون الإخوة قروي إنتاج حصة "آخر كلمة" للتلفزيون الجزائري، وهي الشراكة التي أعلنها المنتجون على أنّها مغامرة سحرية أنقذت التلفزيون الجزائري. * - هذه القناة التي تقدّم نفسها على أنّها واجهة ثقافية راقية للمغرب العربي لا تتوقف عن تسويق اللّهجة التي أساءت وحطّمت العربية الفصحى باستعمال جمل مكوّنة من كلمات فرنسية، وأخرى عربية في نفس الوقت، وهذا لا يعكس أصلا الطموحات الثقافية للشعوب المغاربية. * - هذه القناة احتكرت خلال نهائيات كأس إفريقيا للأمم عقد القناة القطرية "الجزيرة سبورت"، هذه الأخيرة لم تهتم للمعلنين الجزائريين، وصدّقت أنّ المشاهد الجزائري لا يشاهد إلاّ قناة نسمة، وهو ما لم يتحقّق، لأنّ الهدف التجاري الوحيد تحقق من خلال توجّه المشاهد الجزائري إلى الجزيرة مباشرة، وهذا الموضوع لايزال قيد المتابعة لمعرفة خلفيات الاحتكار، وللإشارة فإنّ المغرب العربي لا يملك معهدا لسبر الآراء موثوقا في نتائجه، وقادرا على المتابعة اليومية لميولات المشاهد في خمس دول مغاربية. * - التلفزيون الجزائري ومنذ إطلاقه لقناة "كنال ألجيري" قبل عشرين سنة يتوجّه إلى الخارج ببرنامج متنوع يقدّم بالفرنسية بنسبة 70 بالمائة، وهو ما يكذّب ما جاء به مسيّر نسمة. * طارق بن عمار وجّه انتقادات لسياسة الجزائر الإعلامية، وأبدى عدم رضاه عن حرمانه من اعتماد قناته بالجزائر في ندوة صحفية مهينة للجزائر.. ما الذي حدث بالضبط وبالتفصيل مادمت مشاركا في دورة "الكوبيام"؟ * التلفزيون الجزائري ومنذ إطلاقه لقناة "كنال ألجيري" قبل عشرين سنة يتوجّه إلى الخارج ببرنامج متنوع يقدّم بالفرنسية بنسبة 70 بالمائة، وهو ما يكذّب ما جاء به مسيّر نسمة. كلّ المشهد السمعي البصري في الدول العربية الذي انفتح على رؤوس أموال خاصة على غرار "نسمة تي في" وشراكتها مع "ميديا سات" التي يملكها رئيس الحكومة الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني، الذي يعتبر الشريك الرئيسي لقناة "نسمة"، أو القنوات الدينية كلّها تجارب فضّلت الجزائر أن تتجاوزها بالتركيز على المقاربات التي تضمن نزاهة توجّهها، وتجنّبها السقوط في فخ التجارية والربح السريع على حساب المنتوج الإعلامي المقدّم حتى لا تحقق نجاحا محفوفا بالمخاطر، وهو الأمر الذي لم يعجب المنتج التونسي الذي هاجم هذه السياسة المدروسة من طرف الجزائر في ندوة صحفية عقدها على هامش "الكوبيام". وانتقد طارق بن عمار السياسة الجزائرية المتعلقة بالاتّصال من خلال إعلانه أنّ تونس فتحت المجال لقناتين خاصّتين، في الوقت الذي لازالت الجزائر منغلقة على نفسها بهذا الخصوص، وترفض أيّ انفتاح بحثا عن إطار قانوني تعتمده في حال ما إذا قرّرت تبنّي خيار الانفتاح، وكذا المصادر الحقيقية لرؤوس الأموال للمشاركين في الخط الافتتاحي. ضعف ما قدّم طارق بن عمار من حجج بخصوص المشاهدة الحقيقية في دول المغرب العربي قلّل من قيمته في أعين الصحفيين الحاضرين الذين وجدوا قي هذه الأطروحات سبّا للجزائر بالحديث عن "عقدة الفقير" عند الجزائريين الغيورين من انفتاح "نسمة" على رؤوس أموال خاصة وأجنبية. ولا يجب أن ننسى أنّ إصرار طارق بن عمار على فتح مكتب للقناة بالجزائر سيساهم في تخفيض المصاريف، وأعباء الإنتاج من خلال استضافة الفنانين والممثلين الجزائريينبتونس، لأنّه في نفس الوقت بدأ يستحوذ على الموارد الإشهارية للمؤسسات الجزائرية. * * نقلت بعض الصحف أيضا أنّك انتقدت الفيلسوف الفرنسي إيدغار موران بسبب محاضرة قدّمها، وتفادى فيها الحديث عن دور إسرائيل الذي يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، مهملا الحديث عن الحضارة العربية لشعوب شمال إفريقيا؟ * طرح الأفكار السياسية المسبقة وتغليفها بالخطابات الفلسفية الحديثة أحيانا، وبالمنطق أحيانا أخرى لم تف بالغرض ورفضت من طرف الكثير من البعثات العربية الموجودة في باريس. الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي إدغار موران كان أول من صعد إلى المنصّة، وتحدث عن طبيعة الإنسان المتوسطي، واعتبره آلة مصنّعة للحضارة، ولكنّه أشار إلى أنّه يبحث عن الخيال الغربي، وبالتالي يحبّذ البقاء متمسكا دائما بالعلاقات العلمية والثقافية والفنية للعرب والفرس، حتى وإن كان يعلم أنّ تفكير سكان شمال المتوسط مبني على الآلية وسرعة الوقت والحياة المادية، الأمر الذي يطرح إشكالية في دراسة توجّهات الإنسان المتوسطي. من خلال المداخلة قمت بتوجيه بعض الملاحظات لإدغار موران وذكّرته بأحداث ماي 1960 بفرنسا التي تعتبر خطأ لا يغتفر، وكانت فاصلا فظيعا جعل المشاهدين في المتوسط يدركون أنّ الدول المسيطرة في المتوسط كإسرائيل لا تهتم بالعواطف وتتصرف بحماقة، وهي دول أصبحت تصنع الرعب وتضرب بحقوق الإنسان عرض الحائط. وأنا عارضت فكرة موران وأكدت على أنّ الإنسان في هذا العالم بحاجة إلى تصوّر واسع لا إلى الاستقالة الفكرية الغربية. * * إلى ماذا خلصت هذه الدورة من "الكوبيام"؟ * على هامش جلسة مناقشة القناة الثقافية للمتوسط تطرقنا أيضا لحقوق البث الرياضي، وأعطيت الأولوية بحكم أنّنا على أبواب المونديال لذلك في جو ساده التفاهم بحضور نائب رئيس الفيفا السيد إريكسون، الذي أبدى اهتماما بما قدّمه مسؤولو التلفزيون الجزائري الذين طالبوا بمراجعة تطبيق نظام الكوطة في توزيع مباريات كرة القدم الدولية المتّبع منذ سنوات. وطلب التلفزيون الجزائري بعد 2014 أن يتمّ إدماج تلفزيونات المغرب العربي مع مجموعة التلفزيونات الأوروبية لقطع الطريق أمام مزايدات الشركات الخاصة الحاصلة على حقوق نقل التظاهرات الكروية العالمية، وحفاظا على حقوق الشباب العربي والإفريقي في متابعة منتخباتهم الوطنية بالنظر إلى المبالغ التعجيزية التي تشترطها تلك الشركات، ويظهر أنّ هذا المطلب وجد صدى إيجابيا عند الهيئة الكروية العالمية استنادا إلى تصريحات نائب رئيس الفيفا.