لم تنته الأخبار باقتحام القوات الصهيونية لسفن اسطول الحرية إلى مسامع الغزيين الذين لم يناموا ليلتهم حتى أضاءت المآذن أنوارها وبثت القرآن الكريم من كل مساجد القطاع وهذا المشهد يتكرر كلما حل حدث جسيم بالشعب الفلسطيني. كل شيء كان هنا معدا لاستقبال المتضامنين وسفنهم ولقد وصلت الاستعدادات إلى قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة للتعبير عن التقدير لهؤلاء الابطال ..الا أن المفاجأة فاقت حد التصور بعد أن تحول يوم الفرحة إلى يوم حزين دامٍ .. فرق الانشاد والفرق المسرحية والفنادق والبيوت والمقرات العامة والمؤسسات والجمعيات والهيئات والصحافة كل شيء كان على أهبة الاستعداد..أسر الشهداء وأصحاب البيوت المهدمة والاراضي المجرفة تأهبوا لاستقبال من يجيء للتضامن معهم. إلا أن بحر غزة بدا حزينا صباح الامس واستبدل الفلسطينيون مهمتهم حيث أخذوا في الإعداد للمسيرات والتظاهرات والاحتجاجات بعد أن بلغت بهم الصدمة مبلغها وتركوا وراء ظهورهم كحلم مذبوح الشاطئ المزين برايات الدول التي يشارك مواطنوها في حملة التضامن من أجل كسر الحصار.. المدارس تعلن الحداد والمؤسسات تعلن الحداد ويمتد الامر لتشترك حكومة غزة وحكومة الضفة والقوى العربية داخل العمق الفلسطيني في اعتبار الايام الثلاثة أيام حداد وطني وأن يكون اليوم الثلاثاء يوم إضراب شامل في كل فلسطين.. كايد الغول القيادي بالجبهة الشعبية واسماعيل هنية رئيس الحكومة وخالد البطش الناطق باسم الجهاد واسماعيل رضوان عن المجلس التشريعي وكل الفاعليات السياسية بغزة أعلنت عن انطلاق المظاهرات والمسيرات فيما استمرت المساجد تبث بمكبرات الصوت قراءات متتالية من القرآن الكريم. يقول المواطنون هنا والذين تجمع بعضهم في أماكن مختلفة : نحن كنا نعرف ان إسرائيل لن تسمح لهم بالحضور إلى غزة ولكننا لم نكن نتوقع أنها ستمارس ما اقترفته لأن بين الوفود أوروبيين وأتراك لهم علاقات وثيقة بإسرائيل.. ويتكلم آخرون عن أن هذا التصرف الاسرائيلي لن يترك فرصة لأحد من أصدقاء إسرائيل أن يدافع عن منطق هؤلاء الصهاينة الذي أصبح مكشوفا بعنصريته وارتكابه لجرائم حرب بلا رادع.. ويضيف آخرون: نحن نعرف أن ما تحمله السفن لا يغطي شيئا يذكر من احتياجات الناس ولكن كانت قلوبنا معقودة الأمل على هذا الاسطول أن يكون هو مفتاح كسر الحصار الظالم على غزة.. الحصار الذي لا يشبهه حصار مر به الانسان فهو ليس حصارا بل سجنا يسيره سجانون صهاينة وأخرون عرب. لقد أوصلت سفن الاسطول رسالتها لأهل غزة .. إن هناك أحرارا في العالم ليسوا فقط عربا أو مسلمين إنما أيضا من كل أنحاء العالم يدفعون دمهم من أجل كسر الحصار عن أهل غزة.. ولئن امتلأت نفوس أهل غزة بالأسى والالم على ما آلت إليه أمور أسطول الحرية فإنهم أعادوا ثقتهم بأمتهم وبالانسانية.. وأصبحوا أكثر تفاؤلا بإمكانية كسر الحصار عما قريب. كما وحّد شهداء الحرية المستوى السياسي الفلسطيني، فلقد أعلنت فتح وحماس كل من جهته عن نفس المواقف والفعاليات على مستوى الداخل والنشاط الخارجي، الأمر الذي يعطي إشارة بإمكانية أن يتحرك الحزبان إلى توحيد الصف الوطني.