جون داوود كاتب ومخرج مسرحي، طلق الرياضيات وغرق في عالم الفن الرابع. يعشق الخشبة ويدافع عنها بكل ما أوتي من جهد ويرصد حاليا مختبر أبحاثه للخروج من التبعية الغربية. يحذوه هدف مشروع هو الخروج بالنصوص العربية إلى العالمية. * التقته "الشروق" على هامش مشاركته في المهرجان الوطني للمسرح المحترف بمسرحية "أنا هي وهي أنا" فكان هذا اللقاء مع المسرحي اللبناني جون داوود. * * - لماذا اختار جون داوود موضوع المرأة للمشاركة في المهرجان الوطني للمسرح المحترف؟ * * أنا في حالة بحث مستمر عن الإنسان بكل قيمه. وتطرقت من خلال مسرحية "أنا هي وهي أنا" إلى كرامة المرأة لأنها من كرامة الرجل، ولذلك تعمدت توظيف شهريار الذي رمز لكل معاني الحياة "ابحث عن طفل، عن رجل، عن امرأة". وجدت أن الموضوع مهم لان كرامة الإنسان أصبحت مهددة بالخطر والعنف. * خلية العائلة دمرت في مطلع القرن الحديث حتى وصلنا إلى دمار نفسي وقيمي رهيب. * * - أيعني هذا انك تقدم مسرحا إنسانيا ولا تهتم بالخصوصية العربية، أم انك تعمد إلى الذهاب من المحلية إلى العالمية؟ * * طبعا.. نحن نقدم القيم الإنسانية على كل شيء ولكن مع تحقيق الغاية الواقعية التي تعكس مجتمعاتنا. ولذلك تعمدت الذهاب إلى فضاء حميمي لكشف المستوى المنحط الذي وصل إليه هذا الرابط المقدس وكيف تحول إلى تقليد أعمى لما يبث هنا وهناك من خلاعة وإباحية نسفت المجتمعات وقضت على قدسية العلاقة الزوجية، حتى تحولت إلى ما يشبه دكتاتورية جنسية تتحكم في العقول والقلوب وتستعبد الناس. * * - هل ترى أن المتلقي العربي بحاجة إلى مسرح الفرجة أم مسرح الرسالة الهادفة أم الاثنين معا؟ * * أنا لست داعية لأنصح الناس بالابتعاد عن مثل هذه الطقوس الشاذة التي لا تناسبنا ولكن حساسية المسألة وتفاقمها يجعلني ككاتب ومخرج مسرحي اهتم بهذا الشأن. ولكن على طريقتي ومن الزاوية التي أراها مناسبة للتواصل مع المتلقي. عبرت من خلال هذا العمل المسرحي بشكل موجع وصادم لأحيل الجمهور إلى التساؤل. * * - ماذا تقول في علاقة التراث بالمسرح العربي؟ * * أولا ماذا نقصد بالمسرح العربي؟أنا ضد هذه التسميات ولا أؤمن إلا بإنسانية هذا الفن، كما أؤمن بأن كل ركح له ما يميز وجوده من خصائص وإضافات. أنا أقول بالتنوع لأنه الهدف من التجريب. وعليه فأنا أرى أن التراث هو القيم التي يمكن أن نقاربها، فالاحتفالية هي جزء من العمل المسرحي ولكن هذا لا يعني أن نتقوقع داخل هذا الموروث. * علينا إذن أن نعيد النظر في كثير من القواعد والمفردات و في علاقتنا بالمسرح. إذا سجنا أنفسنا داخل حلقة محدودة ولم نتابع توسعنا سنبدو نقطة صغيرة في المحيط. * ارفض أن أقلد الغرب، وعلينا أن نبحث عن نظرياتنا ونبدع نصوصنا. قد لا ننتهي إلى أشياء جديدة ولكنها خطوات مهمة. * بالنسبة لي أصبحت نصوص شكسبير لا تصلح إلا لتدريب الممثل. لأنه حان الوقت لنطرح أنفسنا بشكل عالمي وجبران خليل جبران خير دليل على إمكانية ذلك. * * - إلى أي مدى يمارس المسرحيون حريتهم في التعبير من خلال المسرح؟ * * المسرح سلاح خطير قد يكون محفزا يدعو للثورة، كما قد يكون فرصة للتنفيس .جون داوود يريد أن يغير العالم بالمسرح. أول عمل قدمته هو "إلي بدو يصير يصير" عندما كنت ادرس الرياضيات. وبعدها قدمت "ثورة النسوان" وكانت لعبة جميلة لأنها خضعت لمنطق الرياضيات وشغف المسرح. استمرت اللعبة واستمر معها الإبداع. وجاء نص "معاقون" الذي قمت بإخراجه والذي فتح الباب أمام الكثير من التأويلات. أردت القول أن المعاق هو العبد الذي يرضى باستعباده ويخضع لغير سلطة العقل بإرادته. * * - هل يجب أن يكون المسرح سياسيا حتى يؤدي دوره التوعوي والتعبوي؟ * * كل مسرح هو سياسي ولذلك فهم نصي الآخر "البحث عن الجنة" في نفس السياق لأن عملي بالأساس كان يهدف إلى مناهضة التبعية ولا اقصد صراع الحضارات. لأنها تتفاعل ولا تتصارع والحرب الحقيقية قائمة بين أصحاب المصالح في الشرق والغرب. وعليه يهمني ألا نحمل السياسة إلى المسرح. وأن نلامس المجتمع ونحلق بواقعه إلى الآخر. لا أن نقبل بالتبعية له.قدمت كتابا أسميته "دراماتيرجيا الممثل" لإعداد الممثل ولكن لا احد صرخ وقال إننا أول من تطرق للموضوع، لأن باحثا فرنسيا اصدر بعد ذلك كتابا يحمل نفس العنوان. وتناولته الصحافة على انه الحدث وأنه قدم اكتشافا للمسرح العالمي. نحن للأسف نعشق التبعية. * * - كيف يتعامل جون داوود المخرج مع نصوصه؟ ومن ينتصر على الآخر؟ * *أنا أتمرد على نفسي عندما اكتب وعندما اخرج أيضا. حصل وأن قام بعض طلابي بإخراج احد نصوصي ولكني وجدت أنهم لم يختلفوا معي كثيرا في زاوية الرؤية الإخراجية. ويرجع ذلك ربما إلى تأثرهم بي باعتباري أستاذهم المؤطر. * * - كيف هي علاقتك بالرقيب في لبنان؟ * * يضحك..اكبر تقدير حظيت به في حياتي جاءني من المسؤول في الرقابة في بيروت. عندما أدرك المعنى الحقيقي لمسرحية "المعاقون"، حيث تقدمت مني المسؤولة عن الأمن وقالت لي "ما تقوله في العرض اخطر بكثير مما كتبته". * * - دعا بعض الفنانين إلى معالجة القضية الفلسطينية دراميا وسينمائيا. هل قدمت ما عليك لها مسرحيا؟ * * أنا أكثر إنسان التزاما بالقضية الفلسطينية وأعيشها بكل آلامها لأنني عشتها في بلدي. ولكن الأكيد أن القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى عصبية دينية وإنما إلى ممارسات أخرى، أما ما حصل لأسطول الحرية فهو أمر متوقع لأن إسرائيل تعشق العمل العنفي من منطلق ضعف لا قوة.