يقف الزائر لمعرض التشكيلي عبد الحليم كبيش مشدوها أمام حوالي 50 لوحة فنية زيتية في التيار التعبيري تشع بالألوان وتغوص في فلسفة وميتافيزيقيا الريف والمدينة، وقد ازدانت بها جدران رواق "محمد راسم" بالجزائر العاصمة. المعرض الذي افتتح السبت تحت عنوان "ألوان حائرة" يقدم أعمالا حديثة للفنان هي بمثابة تذكرة للزوار لإعادة اكتشاف العلاقة "المغيبة" بين الريف والمدينة في الجزائر وبقية البلدان العربية، وهي دعوة يمكن استشفافها بسهولة في لوحات معبرة وبتيمات مختلفة، على غرار "سمفونية الربيع" و"طريق الجنة" و"همسات الورد" و"الرجل العجوز ذي المكنسة" بالإضافة إلى "راقصة الضوء" و"غبار الحرب". وعن سبب اختيار هذا العنوان، يقول كبيش أنه يجسد "حيرة الإنسان المعاصر في ظل الحروب والدمار والآلام والوحدة والضياع والأمراض..."، فالإنسان اليوم "ورغم ما حققه من تطور، إلا أنه يعاني نوعا من الضياع وكذا الحيرة وخصوصا بين الجانبين الروحي والمادي" على رأي الفنان. ويميل كبيش في أعماله المعروضة إلى التعبيرية، إذ تعد أغلب لوحاته منذ بداياته الفنية في 1994 في هذا الاتجاه الفني الذي "يجمع بين الواقع والذات"، فالفنان "يضيف الذاتية في الموضوع ويحوره وإن ليس بدرجة التجريد فهو بين الواقعي والتجريد" يقول كبيش الذي يذكر في هذا الإطار بأعمال الهولندي فان كوخ وغيره من رواد التعبير. ويستلهم هذا التشكيلي أعماله الفنية من الريف الجيجلي الذي عاش فيه طفولته وكذا المدينة التي تعلم فيها ويواصل فيها حياته، معتبرا أنهما "بيئتان غير منسجمتين فلسفيا وخصوصا في الجزائر وغيرها من البلدان العربية على عكس أوروبا الغربية". غير أن هذا المعرض -الذي يتواصل إلى غاية 30 من الشهر الجاري- يبرز بوضوح تأثر ابن مدينة جيجل بالريف أكثر منه بالمدينة، وفي هذا يقول كبيش أن لديه "هم ونظرة فلسفية تترجمهما خصوصا الطبيعة التي ينظر إليها كرمز من رموز الخلق الإلهي، فهي تمثل بدايات الخلق الإنساني، بل هي سابقة للإنسان" يقول الفنان. وتتميز لوحات كبيش المرسومة على القماش باستعمال الألوان الزاهية وبتدرجات متباينة وفقا لما تقتضيه فنيات المدرسة التعبيرية التي تعطي أهمية كبيرة لتكثيف الألوان بمختلف تدرجاتها الضوئية وتشويه الأشكال بالنظر إلى أن هدفها الأساسي إثارة المشاعر والأحاسيس ومختلف الانفعالات الباطنية.