أثارت طريقة تشجيع المناصرين الجزائريين للفريق الوطني استغراب العديد من الأشخاص عبر العالم، إذ يعتبرون أكثر المناصرين حماسة وتشجيعا لمنتخبهم مقارنة بمشجعي الفرق القوية في العرس الكروي العالمي، بدليل العدد الهائل الذي انتقل إلى جوهانسبورغ على الرغم من بعد المسافة وتكاليف الإقامة، وهذا ما دفعنا للبحث في الخلفيات الاجتماعية والنفسية التي تجعل أشخاصا يتركون عملهم، وأسرهم لمناصرة فريق يدركون يقينا أنه لن يصل إلى المربع الذهبي كأقصى تقدير. يرى الباحث في علم الاجتماع الدكتور عمر أوذايذية أن تمسك مناصري المنتخب الوطني بفريقهم وملاحقته إلى جنوب إفريقيا هو نتيجة حتمية لما تمثله لهم كرة القدم من بهجة "فكرة القدم إحدى مظاهر التسلية في المجتمعات الحديثة وأصبحت مع الزمن تستقطب آراء ومشاعر مختلف الشرائح الاجتماعية وهذا ما جعل مختلف المنظمات الاجتماعية توظف بشكل أو بآخر كرة القدم لتحقيق مآرب ومصالح من ورائها، قد تكون اقتصادية تجارية، وكذا سياسية وهو الأهم". ومن زاويته كباحث ومحلل اجتماعي، يصنّف محدثنا انتشار حمى مناصرة الفريق الوطني ضمن الاستثمار السياسي قائلا "إن لكل مجتمع حديث مشروع اجتماعي يحدد الاستراتيجيات لمختلف قطاعات النشاط في المجتمع، وقطاع الرياضة الذي في الغالب يكون منفصلا عن الشباب، إلا أن الجمع بينهما في بعض البلدان له أهداف معينة، كاستقطاب اهتمامات الشباب بالرياضة لإلهائهم عن بقية المطالب والتوجهات، باعتبار المكانة المتميزة للرياضة وخاصة كرة القدم في حياة الشباب"، مضيفا أنها صارت سياسة لملء الفراغ الناجم عن الضعف في المجالات الأخرى. وعلّل الدكتور في علم الاجتماع بأن القطاعات الأخرى تعيش أزمات كبيرة من فساد وسوء تسيير، كأزمة العمل التي بلغت نسبتها حوالي 30 بالمئة من الشباب الذين لا يعملون، وهي أزمة تتجاوز كل الحدود، فالحل الأمثل في نظر السياسيين هو تغييبها عن اهتمام الشباب بالرياضة. وذكر محدثنا بشأن الحماسة الكبيرة التي يبدو بها المناصرون "أن المجتمع الجزائري كان مهيئا لاحتضان هذه الفرحة وهذه الآمال التي يعلقها على فريقه، لأنه عانى من أزمات عديدة ومتنوّعة، أمنية واقتصادية، لذا فهو في حاجة إلى شيء يجمعه ويوحده، وما عجز عنه الساسة فعلته الرياضة وبالضبط مع الانتصارات الأولى للفريق الوطني، ومن ثم تم التركيز عليه ووجّه الإعلام أيضا اهتمامات الشعب إلى ذات النقطة". وخلص الدكتور إلى أن حاجة الشعب الجزائري بكل فئاته إلى تحقيق نصر وانجازات، فما لم ينجز في قطاعات أخرى تمنى أن تنجزه الرياضة، التي صارت تعبّر عن الطموحات العميقة للشعب الجزائري لتجاوز صعوبات الحياة اليومية. وربط الخبير في القضايا الاجتماعية تمسك المناصرين الجزائريين بفريقهم والهجرة في سبيله من أقصى الشمال إلى أقصى جنوب القارة السمراء، لأنه عالي الكرامة والأنفة، فقد تحوّلت الرياضة من ترفيه عن النفس إلى قضيته الشخصية والوطنية، بعد الذي حصل مع الفريق المصري، وصار الفريق الوطني بالنسبة للجزائريين رمزا من رموز الوطنية، وصار من اللزوم عندهم دعمه في كل الأحوال والتمسّك بأي انجاز يمكن حدوثه، ووصف الأمر على أنه من بين الأمور الايجابية التي يمكن أن تحدث للجزائريين. من جهتها، قالت المختصة النفسانية مريم معروف إن الشعب الجزائري فاقد للأمل منذ 24 سنة لم يشارك فيها في منافسة بحجم مباريات كأس العالم، وكرة القدم رياضة شعبية فهذا ما جعله يتعلق نفسيا بهذه المباريات ومناصرة فريقه ويتمسك بأمل الفوز حتى في المباريات المستحيلة حسب الخبراء، في إشارة منها إلى المباراة القادمة أمام الفريق الانجليزي. وقالت المختصة النفسانية أن منافسات الكأس العالمية وما سبقها من مباريات كانت بمثابة المفرغ الذي وجدته مختلف الشرائح للهروب من مشاكلها اليومية. وأرجعت المحللة النفسانية سبب تمسك الجمهور الجزائري بالفريق الوطني دون غيره من الانجازات إلى سرعة تحقيق النتيجة وظهورها على الفور، بخلاف جيمع المنجزات التي ينتظرها في البرامج التنموية، وكذا لأن نتائجها ترضي الجميع وليست كالنتائج السياسية التي ترضي طرفا على حساب الأطراف الأخرى، بينما في الرياضة فليس هناك من هو ضد انتصار الفريق الوطني.