يُجمع الكثير من العارفين للمجاهد صالح جغروري على شجاعته وحنكته خلال الثورة الحريرية، ما جعله يكسب منذ البداية ثقة قيادة الولاية التاريخية الأولى، وفي مقدمتهم مصطفى بن بولعيد وعباس لغرور وعاجل عجول، حيث صعد إلى الجبل رفقة أكثر من 11 فردا من أقاربه وأبناء عمومته القاطنين في مرتفعات عكريش التابعة لقرية شناورة بتكوت (باتنة)، وتركوا أثرا ايجابيا على مدار سنوات الثورة. لا تزال مسيرة المجاهد الصادق جغروري (91 سنة)، تحمل في طياتها الكثير من المواقف البطولية والشجاعة خلال الثورة التحريرية، ورغم أنه يعاني مؤخرا متاعب صحية جعلته طريح الفرار، إلا أن مساره الثوري لا يزال محل إشادة كل من عرفوه أو تعاملوا معه عن قرب، خاصة وأن شجاعته مكنته من التسلّل إلى مركز العدو في عزّ الثورة التحريرية، وذلك بنواحي خنقة سيدي ناجي بين باتنة وبسكرة، حيث اقتحم برجا للمراقبة فقتل واحدا من الحراس، واشتبك مع البقية، واقتاد من كان ببرج المراقبة أسرى، قبل أن يلوذ بالفرار سالما وغانما ب 3 أسلحة مختلفة، ويؤكد نجله خليفة جغروري ل"الشروق"، بأن المجاهد صالح جغروري أوشك يوما أن يقع بين أيدي العدو الفرنسي، فصعد شجرة الصنوبر للاختباء فيها، وتشاء المقادير أن يختار الفرنسيون تلك الشجرة لتناول الغداء، فأخذ يراقبهم والأصبع على الزناد إن رفع أحدهم رأسه يرديه قتيلا، لكنهم انصرفوا في الأخير دون أن ينتبهوا. عجول أرسله لتعبيد مسار الثورة في النمامشة على صعيد آخر، يروي ابن أخيه أن عمه صالح جغروري كانت له مواقف أخرى في الشجاعة والوفاء، ما جعله يكسب رفقة والده أمحمد جغروري ثقة الشهيدين مصطفى بن بولعيد وعباس لغرور وعاجل عجول منذ البداية، حيث يقول محدثنا بأنه بأمر من المجاهد عاجل عجول كلفهما بالتوجه مع عباس لغرور من كيمل إلى ناحية النمامشة لتفقد أوضاع بداية الثورة هناك، وتجنيد كل من يرغب في ذلك من المناضلين، ما جعلهم حسب محدثنا يتصلون بمن يثقون فيهم ويبدون استعدادا لذلك، فعقدوا اجتماعات معهم لشرح مقاصد الثورة التحريرية والثوار، فكانوا يتنقلون من مكان إلى آخر على ظهور الخيل. وكان مناضلو المنطقة كرماء معهم إلى حد كبير، وبعد الاطمئنان على السير الايجابي للثورة في النمامشة قرّرا العودة إلى كيمل لتقديم تقرير عن الأوضاع للقائد عاجل عجول. هذه قصته مع الرسالة البيضاء التي فك طلاسمها شيحاني وفي السياق ذاته، يروي خليفة جغروري حادثة غريبة لوالده صالح جغروري، خلال عودته من المهمة التي قادته إلى خنشلة بمعية رفيقه في السلاح أمحمد جغروري، بشكل يعكس قمة السرية التي كانت تتمتع بها قيادة الثورة التحريرية، قبل التوجه نحو كيمل، استدعاهم كبير العرش في خنشلة مانحا لهم رسالة وسلاحا من نوع (لخماسي)، في الطريق اقترح عباس لغرور فتح الرسالة لعل فيها ما يضرهم، فاندهشوا حين وجدوها مجرد ورقة بيضاء لا أثر للكتابة عليها، وبعد الوصول إلى مركز القيادة، كان لقاؤهم الأول مع الشهيد شيحاني بشير فأخبروه بما عندهم من معلومات، ومنحوا له السلاح والرسالة، فقال لهم: ماذا تلاحظون على هذه الرسالة، قالوا: "لا شيء مكتوب عليها"، فأمر أن يؤتى بقصعة من الماء. فوضع الرسالة في الماء وهي مفتوحة. وإذا بالكتابة بدأت تظهر شيئا فشيئا، فقرأها وهي في الماء فتعجبوا لما حدث. ويوجد المجاهد صالح جغروري في المدة الأخيرة طريح الفراش، وسط موجة من الصمت، حيث يعد من مواليد 1926 بقرية عكريش التابعة لبلدية تكوت بباتنة، كان من الرعيل الأول للثورة التحريرية، وبعد خروجه من الجيش اشتغل حارسا للغابات بعين التوتة، إلى أن أحيل على التقاعد، مفضلا الاستقرار بعاصمة الولاية باتنة.