ومحمد إقبال الذي لا يعرف الناس عنه إلا أنه فيلسوف هندي، والمسلمون أنفسهم لا يعرفون عنه شيء، إذا استثنينا كليات الفلسفة في جامعات العالم الإسلامي، أما باقي الأمة فلا تعرف أن الرجل بكتابه "تجديد الفكر الديني" قد كشف على جذور الفكر الإسلامي الصحيحة المتميزة، انطلاقا من القرآن الكريم، الذي يعتبر أن الرسالة المحمدية التي هي خاتمة الرسالات السماوية، هي الفاصل بين العالم القديم والعالم الجديد، في الكثير من الأمور وعلى رأسها المنهج، حيث أن المنهجية الإسلامية في النظر إلى الإنسان والدين والحياة تختلف عن جميع مراحل التجربة الإنسانية السابقة. وكذلك ما وقع لعلي عزت بيغوفيتش من الإهمال لا يختلف كثيرا عما وقع لمحمد إقبال، حيث لا يعرف المسلمون عنه هو الآخر –في أحسن الأحوال- إلا أنه رئيس البوسنة، بالرغم من أنه واحد من عمالقة الفكر الإسلامي الحديث. وأما الصنف الثاني فمن نماذجه الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي المفكر الإسلامي الفلسطيني الأصل، والأمريكي الجنسية، الذي قتل هو وزوجته، من الذي قتله؟ الكثير يرجعون سبب قتله إلى موقفه من اليهود في احتلال فلسطين، ولكن من يعود إلى دراساته وأفكاره وانشغالاته، يلاحظ أن الرجل له إضافات تقلب موازين الفكر الإنساني، لو أنها وجدت محاضن في مستواها، فمما يذكر عنه أنه كان يدرِّس في الجامعات الأمريكية مقررا في مقارنة الأديان، فكان بحكم سعة اطلاعه وتمكنه المنهجي يقدم لليهود والنصارى دينهم الذي أنزله الله من مصدره الأصلي من غير تحريف ولا تزييف، في إطار دراسي تسلسلي –زمانا ومكانا وواقعا- بحيث يعرض الدين في شكل خريطة تضع الشرائع كلها –يهودية ونصرانية وإسلام- في مواقعها التي شاءها الله لها، بحيث ينصرف طلبته من اليهود والنصارى إلى الإسلام تلقائيا، فحرض ذلك الناس على الدخول في الإسلام، وهذا –بلا شك- يهدد الغرب والجامعات الغربية، الأصوليتين الصهيونيتين اليهودية والنصرانية، ومن ثم يبطل الكثير من الإرادات السيئة التي يديرها اليهود في العالم. يقال إن السبب الحقيقي لقتله هو هذا الجهد الذي يعمل على تقليص مساحات الصراع التي يعيش الغرب بها ويراهن على استمرارها. وهؤلاء الخمسة الذين اعتبرهم الدكتور محمد مختار الشنقيطي في كتيبه الصغير "خيرة العقول المسلمة في القرن العشرين"، لكونهم جمعوا بين الثقافة الإسلامية، والعلوم الحديثة وما توصلت إليه الإنسانية، فهم أبناء للشرق ولكنهم تميزوا بالتعرف على الغرب فخبروه ووظفوا آلياته ونجحوا، ومن ثم فهم مؤهلون لأن يبدعوا ويضيفوا الجديد للعالم الإسلامي لتحريره من الهيمنة الغربية، ويهددون منتجات الغرب العلمية والعملية بالبوار، ويزعزعون مجتمعاته من الاستقرار. وهؤلاء الخمسة في الواقع ليسوا وحدهم، وإنما يوجد آخرون، وربما يوجد من لا نعرفهم، وقد يوجد فيهم من بيده مفتاح النهضة، ولكن ضعف التواصل يحرم الكثير مما يحتاجون إليه. والحملة على الدكتور طارق رمضان في تقديري لا تخرج عن هذا المسار في الصراع بين الغرب والشرق، وبحكم أن الغرب هو الغالب اليوم، فإن كل شخص أو فكرة أو هيئة لا يسمح له/لها بإزعاج الغرب والتأثير السلبي على مشاريعه..، وطارق رمضان قد جرح مشاعر الغرب بالنيل من أفكاره وطروحاته التي هزم فيها الكثير من مثقفيه وقواده، الذين ناقشهم فأسكت بعضهم وأجبر بعض الآخر على الاستماع إليه، كما فعل في حواره مع سركوزي يوم كان وزيرا للداخلية الفرنسية حول الحجاب في سنة 2003، وكذلك مع الكثير من المثقفين الغربيين واليهود خصوصا، كالصحافي ايريك زمور، وكارولين فورست، المثلية المعادية للإسلام وهي من المشجعين لهند عياري، التي رفعت قضية ضد طارق رمضان. "يروي الصحافي هشام حمزة أنه أجرى مقابلة في سبتمبر 2011 مع أستاذ الدراسات الإسلامية، جيل كيبل، وأعلمه أن هناك "عملية" تعتمد على "كتاب – صادم"، يتم التحضير لها في بلجيكا. هذه "المناورة" ستفجر صورة طارق رمضان لدى المسلمين"، وهذا فضلا عن أن بعض الإعلاميين صرح أن جهات تمنع استضافة طارق رمضان في بعض الفضائيات، كما نجحت جهات في حرمانه من الالتحاق بإحدى الجامعات الأمريكية، ومنعه من المشاركة في الندوات التي تنظم هناك بحجة المساس بالأمن العام. نعود إلى التهمة التي تقدمت بها هند عياري العربية المسلمة: من أب جزائري وأم تونسية، الفرنسية الجنسية، تدعي فيها أن الدكتور طارق رمضان اغتصبها في أحد الفنادق في عام 2012، ثم ادعت امرأة أخرى تدعى كريستيل أنه اعتدى عليها جنسيا في أحد الفنادق في ليون في سنة 2009، بينما رمضان ينفي التهمة جملة وتفصيلا؛ بل إن التاريخ الذي ذكرته كريستيل الذي اعتدى عليها فيه، توجد تذكرة سفر تقول إنه كان في مسافرا. وأنا هنا لا أناقش الموضوع من حيث الوقوع من عدمه؛ لأن الأمر في تقديري ليس مجرد تهمة تقف عند إثباتها وتجريم مرتكبها أو نفيها، وإنما تتجاوز ذلك إلى النيل من مستقبل طارق رمضان والحد من تأثيره على الرأي العام الغربي ومنه الجمهور الفرنسي تحديدا، وشهادة الكاتب الفرنسي الشهير جيل كيبل المشار إليها آنفا تثبت ذلك، وإنما سأعرض لجملة من الأمور كشفت عنها تقارير إعلامية في إطار التحقيقات في القضية. تذكر هذه التقارير أن هناك علاقة غير مباشرة بين المدعيتين عياري وكريستيل، كانت بواسطة سيدة ثالثة تدعى فياميتا فينر وهي صديقة كارولين فوريست الصحفية المعروفة بعدائها للمسلمين، والتي عرفت طريقها إلى الشهرة بحملاتها على طارق رمضان، وبتأليفها لكتاب عنه بعنوان "الأخ طارق"، التي تعرفت عن كريستيل قبل ثماني أو تسع سنوات، بواسطة زوجة جيل كيبل الكاتب المعروف والمبشر بالكتاب الصادم الذي سيحطم طارق رمضان. فقد كشفت الاتصالات الهاتفية لكل منهما –كريستيل وعياري- مع فياميتا فينر صديقة كارولين، بمعدل 116 مرة لكريستيل و156 لعياري، خلال ستة أشهر، أي في الفترة ما بين 6 ماي ونوفمبر 2017، أي فترة الحملة على طارق رمضان وكان ذلك قبل الاستماع إليهما. وأثناء المعركة حامية الوطيس، "تقدّمت محامية أميركية ببلاغ جديد تقول فيه أن موكلة لها تدَّعي أن طارق رمضان اعتدى عليها ولم تكشف عن نوع هذا الاعتداء. ويضاف إلى هذه الشبكة التي لا يمكن أن تكون تلقائية أو عفوية أو صدفة، زمن الواقعتين، إحداهما تدعي ان رمضان اعتدي عليها في سنة 2012 يوم كانت معجبة به وزارته في الفندق، رغم أنها كانت متشددة في تدينها –سلفية-، ثم بعد ذلك تثور على تدينها وتنزع الحجاب، ليس احتجاجا على ما فعل بها طارق رمضان!! وإنما ثارت على زوجها السلفي المتعصب وعلى التيار الجهادي الذي فجر الأوضاع في أوروبا، ثم بقدرة قادر تؤلف كتابا "اخترت أن أكون حرة"، وتذكر فيه قصة الإغتصاب وترمز لطارق رمضان باسم آخر خوف الانتقام منها...، ثم جاء اليوم الذي رفع عنها الخوف لترفع الدعوى إلى القضاء.. من الذي أعطاها الأمان؟ الله أعلم. وتعلن عن أن نسبة 5 بالمائة من ريع كتابها تتبرع به لموقع "أوروبا إسرائيل"، وتمنيت لو أنها تبرعت بهذا الريع لضحايا طارق رمضان من النساء اللائي سوف يظهرن تباعا!! ولا تقف عند كريستيل التي قالت إن الرجل اعتدى عليها جنسيا في سنة 2009. والأمر الملفت أيضا أن محامي هند عياري قريب من حلقات دعم "الليكود". لا شك أن الكثير ممن عقَّدتهم فكرة "نظرية المؤامرة"، ربما أنكروا علينا هذا التحليل ومن حقهم أن ينكروا ما لم يقتنعوا به، ولكن ما أظنهم يخالفون فيه أن طارق رمضان مستهدف لأنه مفكر مسلم؛ وليس لأنه اعتدى على هند عياري أو غيرها.. كما لا يخالفون في أن المفكر روجي غارودي عاش مهمشا لمجرد انه دخل الإسلام وتطرق إلى لاشرعية الوجود الإسرائيلي، وبدأ القوم في استبعاده بقدر توغله في الإسلام وفضحه لقيم الغرب اللاإنسانية، فكلما كشف عن شيء موافق للإسلام وخادم للمسلمين استبعد بقدره، وكلما كشف عن جرم من جرائم الغرب والفكر الغربي استبعد من ساحات التأثير بقدره، حتى وصل التضييق عليه إلى مستوى أن انفض الناس من حوله؛ بل وحرمانه من أن يدفن كما يدفن الموتى، فلم يصلّ عليه لا في مسجد باريس ولا في غيره، ولم يسمح لمحبيه بتنظيم عزاء يوم موته؛ بل إن المؤسسة التي أعطت الموافقة لمن أرادوا تنظيم عزاء، سحبت موافقتها في آخر لحظة.. فمات الرجل وأحرق.. والعجيب أن القوم أشاعوا أن حرقه بعد موته كان بوصية منه !! والذين يعيشون في فرنسا لا سيما المثقفين منهم، يشعرون بأن هناك حركة وعي هامة في أوساط المفكرين والمثقفين الغربيين، إقبالا على الإسلام ونقدا للفكر الغربي والعلوم الإنسانية منه على وجه الخصوص، ولكن الحصار المضروب عليهم، والحصار الذي ضربوه هم على أنفسهم خوفا من اللبويات المتحكمة في الجامعات ومراكز البحث والدراسات، كل ذلك منعهم من إظهار معتقداتهم وما توصلوا إليه من أفكار ناضجة. فالأستاذ الجامعي إذا ما كشف عن معتقد مضاد للمركزية الغربية والمصالح الصهيونية لا حَظَّ له في الترقية العلمية ولا في العلاوات المادية، ولا للإستفادة من أي امتياز؛ لأن ذلك مرهون بمقدار الولاء للوبيات الصهيونية العالمية.