أبداً، لسنا ضد تجديد طُرق الوصول إلى البقرة الحلوب وتنظيمِها بعد أن تهرأتِ الطرق القديمة وتشققتْ وتصدعتْ وأصبحتْ تسبب متاعبَ "محلية ودولية" لمنْ لنْ يبلغوا الفطام حتى لو التهموا البقرة بلحمها وشحمها ولبنها .. كما أننا جميعاً مع تحديثِ قانون الصفقات العمومية بما يضفي شكلاً جديداً من الشفافية في تقاسم الثروة بالطرق الشرعية التي يوصي بها وليُّ نعمتنا: صندوق النقد الدولي.. * ثم إننا أيضاً وهو الأهم نشُد على يد الحكومة ونقف معها في نفس الموقع الذي تنطلق منه في حملتها ضد استغلال ضرع البقرة دون إطعامها، وركزّوا لي هنا على إطعام البقرة لا على ضرعها! * لكن "عدم انتباه" الحكومة أو "تغاضيها" عن أحد الأسباب الرئيسية للفساد في البلاد يجعلنا ننبه إلى أن مُنطلق حملتِها المحمودة شعبياً ورسمياً ينبغي أن لا يقتصر على تصريح المسؤولين بممتلكاتهم، بل يجب قبل ذلك أن يبدأ باختيار أحد هذين المنهجين: * * * إما الوقوف في وجه أيسر طرُق التحايل للوصول إلى البقرة: طريق"القرابة بالمعروف". * * أو تقنين هذا المبدأ بحيث لا يتعارض مع مساعي الحكومة في مكافحة الفساد. * ومع أنني بطبيعتي البشرية الضعيفة لستُ ضد مبدأ "الأقربون أولى بالمعروف" كمبدأ، لكن النسبة العالية المرتفعة من الوظائف والمناصب والكراسي الدوارة والمقاعد الوثيرة التي يتقاسمها في بلادنا "الأقربون بالمعروفِ" دون سواهُم والتي تؤدي حتماً إلى التحايل على أية حملة لمكافحة الفساد وتقويض أي جهد يُبذل في هذا المجال تقودُ إلى النبش في المقصود من القرابةِ في هذا المبدأ المتداول، والذي يعتقده الناس من باب الخطأ الشائع قرآنا كريماً، وركزوا لي هنا على الوظائف والمناصب لا على الخطأ الشائع! * التفاسيرُ التي اطلعتُ عليها، بعد نبْشٍ طويل، تخلُصُ إلى ربط القرابةِ والمعروفِ بأحدِ أمرين: إما في حالة ما إذا حضر أحدكم الموت لا قدر الله وأراد أن يوصي، فلْيوص للوالدين والأقربين، بنص كلام المولى عز وجل: * "... كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً، الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين"، وهو كلام واضح لايحتاج إلى توضيح يثبت أحقية الأقربين بالوصية، أو في حالة النهي عن المنكر في مثل قوله تعالى: "وأنذرْ عشيرتك الأقربين"، وهو قولٌ مفسرٌ لايحتاج إلى تفسير، بحيث يؤكد أولوية الأقربين بالنصيحة. * وأصْدُقُكم القول إنني لم أجدْ في كل التفاسير التي اطلعتُ عليها ما يشيرُ إلى أولوية "الأقربين" بمعروفِ منح صفقة، أو تثبيتٍ في منصبٍ، أو تعيينٍٍ في وظيفةٍ، وركزوا لي هنا على التعيين والتثبيت معاً ! * والواقعُ أن لسانَ الشعب الجزائري في الشارع بضم شين الشعب يقولُ جهاراً نهاراً ودون خوفٍ من أحد: إن "الأقربينَ بالمعروف" استولوا على كل شيء في البلاد، فهم بالنسبةِ لجاليتنا في "الخارج" ممثلينَ في شخص فلان وفلان وفلان وفلان ... واعذروني فالقائمة طويلة، والمساحة ضيقة، وأنا أكره التشخيص ولا أحبه، خصوصاً لدى الحديث عن فلان وفلان، وكل هؤلاء * "الفُلانات" رغم أوزانهم الثقيلة وأحجامهم الضخمة، لا يمثلونَ في حقيقة الأمر سوى قطرةٍ واحدةٍ في بحر واسع عُبابٍ تتلاطمُ أمواجه بصخور البحر المتوسط في منطقةٍ ما من مناطق وطننا الحبيب، وركزوا لي هنا على المنطقة لا على صخور البحر المتوسط! * أما "الأقربون بالمعروف" في "الداخل" فَهُمْ حسب كلام الشعب، بضم الشين وتشديدها طبعاً يمثلون أكثر من فلان من بين أكثر من علاَّن، كما يُشكلون عائلاتٍ وأسَراً بحالها أصبحت تتوارثُ الوظائفَ في مختلف المؤسساتِ العمومية أبا عن جد، وولداً عن أب، وهلم شراً وجهوية مَقيتة! * ويضيفُ لسان الشعب الذي لا يعرف التحفظ: إن سياسة التوازن الجهوي التي انتهجتْها البلاد منذ عهد عادٍ وثمود انتهتْ صلاحيتُها وانتهى العملُ بها بنهاية "قرن 14"، بل ويذهبُ أبعدَ من هذا عندما يتساءلُ عن سر تزايد وفود حجيج اليهود إلى تلمسانَ بالذات، وتصاعد محاولاتهم لاسترداد ما يسمونه * "مقدساتهم"، رغم أن صلتَهم بها في الجزائر لا تتعدى "زردة الهيلولة"، وبالتالي فإن صلتَهم بتلمسان لا تختلف تاريخياً عن صلتِهم بالقدس في فلسطين، وركزوا لي هنا على تلمسان لا على القدس! * صحيحٌ أن مبادئ الديمقراطية في أصلها الإغريقي الذي درسناه نظرياً، وفي فرعها الفرنسي الذي نسعى إلى تطبيقِه، تتنافى مع أي توجهٍ إثني أو عرقي أو جهوي، لكن الأصح أيضا كان قد سبَقَنا إليه المرحوم العقيد عمر أوعمران أثناء الثورة عندما سُئل عن نوع الدولةِ التي ستقوم في الجزائر بعد الاستقلال فأجاب: "انديرو دولة ما تشبه اليهود ما تشبه النصارى"، وبالتالي فليس من الغريبِ وقد تحققتْ نبوءة أوعمران أن لا تشبهَ ديمقراطيتُنا ديمقراطية َاليونان التي درسناها، ولا ديمقراطية الفرنسيين التي يُلحونَ عليها دوماً في تطبيقِها ونحن نتلكأ، كما أنه ليسَ من المستبعد حسب كلام الشعب، مع ضم الشين وتشديدها دائماً أن يكونَ "الشونتور" فرحات مهني قد استوحى أفكاره الجهوية الهدامة من هذا الباب الذي انفتح منذ "كذا سنة" على مصراعيه، وركزوا لي هنا على "كذا سنة" لا على "الشونتور"! * فإن اختارت الحكومة أن تقف مع الخيار الأول: خيار الوقوف في وجه مبدأ * "القرابة بالمعروف" كطريق للفساد فسأضعُ نقطة على السطر حالاً وأذهب إلى فاصل قصير مدته أسبوع ثم نلتقي ... * وإن اختارتْ أن تقف مع الخيار الثاني: خيار تقنين هذا المبدأ، فإن المقال متواصل، و"الليل طويلٌ وأنت مُقمر..." وعليه، فإن دورة َالبرلمان ِالربيعية بغرفتيه انتهت، ومن المؤكد أن نوام الشعب الأفاضل لا تأخذهم سِنة الربيع ولا نومُ الشتاء، ولا تستهويهمْ سواحل الريفيرا اللازوردية ولا شواطئ أنطاليا التركوازية، ولذلك فهم لن يأخذوا عطلة الصيف خدمة ً للشعب الذي انتخبهم، وسيقضون عطلتهم الصيفية في الاعتكاف على التحضير للدورة الخريفية المقبلة حتى لا يحرموا ما أحل الله لهم من رواتب وعلاوات، وبالتالي فنحن نستأذن الحكومة أن ندعوهم من الآن وأغلبهم من قراء يوم الجمعة إلى التفكير في إدراج مشروع قانون للدورة المقبلة يُضفي الشرعية بشكل نهائي على تقلد الوظائف في الجزائر والحصول على الصفقاتِ وفق مبدأ "القرابة بالمعروف" الذي صار حديثَ الشعب الذي انتخبََهمْ، وبذلك يتهنى الفرطاسْ من حكان الراسْ، وركزوا لي هنا على مشروع القانون المقترح لا على الفرطاس طبعاً! * *** * اليومَ يومُ جمعة، وينبغي أن نعودَ إلى ما تعارفْنا عليه في الجزائر قبلَ أن نتخلى عنه منذ سنوات قليلة، فنُنْهيَ الخُطبة َبما جرى به العُرف من أيام الخليفة "العادل" عمر بن عبد العزيز: (عبادَ الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى)، ولِكيْ يأخذ َاقتراحي شكلَه الشرعي أرجوكم أن تركزوا لي على إيتاء ذي القربى ولا داعيَ أن تُكمِلوا بقية الآية ... وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله! * * * فاصل قصير: * حتى لا نُغضِبَ أصدقاءنا المقيمين هناك في غرفتي البرلمان أعلاها وأسفلها، فإن وقوعَ حرف الميم على لوحةِ المفاتيح في نفس الصف يمينَ حرف الباء، هو الذي أدى دون قصدٍ إلى وقوع خطإ مطبعي في كلمة "النوام" المذكورة أعلاه، والصحيح: النواب، ولذا لزم التنويه، مع الاحتفاظ بالألقابِ والمقاماتِ مَصونة ًمحترمة، وركزوا لي هنا على الألقاب والمقامات لا على "النوام"... وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم! * [email protected]