تشرع "الشروق" ابتداء من هذه الأيام في نشر فصول مهمة من مذكرات الشيخ محمد الصالح الصديق التي تتناول مسيرة حياته العلمية والنضالية، بما في ذلك التطرق للحياة العلمية والفكرية والسياسية التي كانت تسود الجزائر منذ نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وكذا الحديث عن أبرز الشخصيات الإصلاحية والسياسية ورجال الفكر والثقافة الذين التقى بهم الشيخ وتقاطع معهم في حياته. * وتسلط هذه المذكرات الضوء على كثير من الجوانب المهمة في تاريخ الجزائر على مختلف الأصعدة، وهي بذلك تُعد معلمة تاريخية وتراثية مهمة لا يستغني عنها من يريد أن يعرف كثيرا من الجوانب الخفية للعلماء المصلحين أمثال الشيوخ الشريف الإفليسي والرزقي الشرفاوي وعبد الحميد ابن باديس والطيب العقبي ورجال الجمعية وشيوخ الزوايا ورواد الحركة الوطنية، مع ذكر مواقف طريفة وغريبة صادفها المؤلف في حياته التي كانت منذ بدايتها مليئة بالبذل والتضحية والعلم والنضال والوطنية. * وفي هذا السياق، ذكر الشيخ محمد الصالح الصديق أنه تردد كثيرا قبل أن يُحرر مذكراته التي اختار لها عنوان "رحلتي مع الزمان"، وذلك في مدة 30 سنة كاملة كان يقدم فيها رجلا ويؤخر أخرى، إلى أن استقر رأيه على تحريرها بعدما طلب منه كثيرون، داخل الجزائر وخارجها، القيام بذلك، سيما وأن تجربته الغنية في العلم والمعرفة والنضال السياسي، إضافة إلى تآليفه التي تجاوزت المائة، تجعل منه حلقة محورية ومهمة في تاريخ الجزائر الحديث، موضحا أن القارئ سيستفيد من المذكرات لأنها تربط القارئ بوطنه أولا ثم العالم العربي ثانيا، لأنها أتت بالذكر على رجال الإصلاح والثورة وشيوخ الزوايا والكتّاب وزاوية سيدي عبد الرحمن اليلّولي التي كان لها دور كبير في نشر القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في منطقة القبائل، بل وتعدت ذلك إلى كافة القطر الجزائري. * وفيما يخص أهمية هذه المذكرات، حرص الشيخ محمد الصالح الصديق على التأكيد على أهمية منطق القبائل ودورها في خدمة الإسلام، حيث قال "عندما نتحدث عن هذه المنطقة لا نتحيز ولا نتحزب، فالجزائر كلها جزائرنا، ولكن عندما نتحدث عن المنطقة لأني منها يجب أن نذكر للتاريخ أنها غنية بالعلماء ويكفي انها أنجبت أحمد الإدريسي أستاذ عبد الرحمن بن خلدون، وأنجبت ابن مُعطٍ صاحب أول ألفية في النحو، وكذلك علماء مثل الشيخ السعيد بن زكري مفتي الجزائر والشيخ أبو يعلى الزواوي والشيخ الرزقي الشرفاوي الذي يُعتبر موسوعة علمية ومع ذلك لا يعرفه أكثر الناس للأسف، ويكفي ان مصر كان قانونها يمنع أن يتولى التدريس في جامع الأزهر إلا من له جنسية مصرية، لكن الشيخ خرق هذه القاعدة وتولى التدريس في الأزهر لمدة 17 سنة، وهناك الشيخ المولود الحافظي وهو قمة شامخة في علم الفلك، حيث كان العلماء في مصر إذا اختلفوا في قضية فلكية كان الشيخ المولود الحافظي هو مرجعهم فيها، فللجزائر أن تفتخر بهذه المنطقة وبغيرها من المناطق". * وقال صاحب المذكرات إنه أحد القراء المتابعين بشكل شبه يومي لما تكتبه "الشروق"، ولهذا قرر إيثارها بهذه المذكرات لأنّ نشرها على حلقات سيُشوق القارئ إلى متابعتها ويجعله يحرص على اقتناء المذكرات التي ستصدر تزامنا مع الصالون الدولي للكتاب، سيما وأن سعة انتشار "الشروق" تساهم في تحقيق صدى واسع لها، كما أوضح أن حصاد هذه المذكرات ما هو إلا ثمرة من ثمار تعامله مع القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، حيث قال: "القرآن الكريم هو من صنع فكري وقلمي".