خلص الكاتب فوزي سعد الله في كتابه "يهود الجزائر.. مجالس الغناء والطرب" الصادر حديثا عن دار قرطبة للنشر، إلى سؤال مفاده، ما الذي سيبقى من العلاقة الحميمية التاريخية للموسويين بالغناء الحزائري بعد رحيل جيل الفنانين اليهود الذين وُلدوا وشبّوا في الجزائر؟ وهل سنعرف في المستقبل مطربين يهودا يغنّون المالوف والصنعة والغرناطي وغيرها من أنواع التراث الغنائي الموسيقي الجزائري؟ * ويردّ الكاتب أسباب طرح هذه الأسئلة في هذا الوقت بالذات إلى تصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن دور الطائفة اليهودية الجزائرية في الحفاظ على التراث الموسيقي الجزائري خلال زيارة قام بها في بداية عهدته الأولى إلى قسنطينة، وكذا الغليان الإعلامي والسياسي الذي ساد في تلك الفترة ثم بعدها سنة 2007 بخصوص زيارة المغني اليهودي الفرنسي أنريكو ماسياس، وهو جزائري الأصول، إلى قسنطينة مسقط رأسه . ويؤكد الكاتب أنّه جرّاء هذه الأحداث تباينت المواقف بين مبالغات وتضخيم لدور اليهود في مسار التراث الموسيقي الجزائري، ذهبت إلى تقديمهم كمُنقذين للتراث الثقافي الجزائري من الضياع، وتقزيم لهذا الدور والجزم بتشويه هؤلاء العبريين لهذا التراث لأسباب عدة من بينها عدم تحكمهم في اللغة العربية، خصوصا منذ احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 والتحوّلات الثقافية التي فُرضت على البلاد إلى غاية 1962 في هذا الكتاب محاولة للإجابة عن الأسئلة السالفة، خاصة ما تعلّق منها بالخلف فيقول: "برحيل الفنانين اليهود جزائريي الجذور أمثال مقشيش وبن فراشو والمعلم زوزو وإيبيهو بن سعيد وغيرهم، لم يبق من ممارسة اليهود للغناء الجزائري سوى الذكريات والحنين، سواء لدى الأسر اليهودية ذات الأصل الجزائري أو لدى المسلمين في الجزائر وفي أوربا . وإلى جانب الذكريات بقي كذلك التوظيف السياسي الإيديولوجي للإرث التاريخي لهؤلاء الفنانين من طرف الصهيونية والدولة العبرية. وقد نجحت هذه الأخيرة حتى في تجنيد عدد من هؤلاء خدمة لأغراضها السياسية خصوصا منذ هزيمة 1967". ويُضيف الكاتب: ".. وإذغ وُجدت مجموعة من الموسيقيين اليهود من أصل مغربي في إسرائيل سمحت بتأسيس الجوق الأندلسي الإسرائيلي، مثلما فعل فنانون يهود من أصل عراقي يمارسون موسيقى المقام، فإنّ نظير ذلك غير موجود بالنسبة ليهود الجزائر. ولا يُعرف عن الموسيقى في إسرائيل أنّ لها جزائرييها من اليهود الذين يُغنّون التراث الجزائري، لأنّ الفنانين اليهود من أصل جزائري لم تستهوهم الدولة العبرية واختاروا الهجرة إلى فرنسا عند استقلال الجزائر " . ويخلص الكاتب إلى أنّ "أوضاع المشهد الموسيقي الجزائري اليهودي الأداء يبدو بصدد إكمال آخر أنفاسه، لا من حيث تقلص عدد ممارسي الغناء الجزائري في أوساط اليهود فحسب، بل أيضا من حيث الانكماش الكبير للأنواع المؤداة ومستوى الأداء ونوعيته التي تتراجع من جيل إلى جيل". والكتاب في المحصلة يضمّ عددا هاما من الصور التي تُظهر فنانين يهود عاشوا في الجزائر أثناء فترة الاحتلال ومنهم من هاجر بعد الاستقلال، ولعل أهمها صورة تجمع الشيخ امحمد العنقى رفقة محمد العيد جوزيه دو سوزا، عليلو وزروقي التُقطت سنة 1951، إضافة إلى صورة نادرة لأنريكو ماسياس رفقة والده، وأخرى لماسياس يؤدي الصلاة على حائط المبكى التُقطت سنة1981 والكثير من المعلومات القيّمة عن موضوع يهود الجزائر ومجالس الغناء والطرب منذ فترة ما بعد الأندلس في المغرب الإسلامي.