يفرحني أن أرى المساجد يوم الجمعة مكتضة بالرجال والنساء لسماع الخطبة وأداء الصلاة، وأتمنى من كل قلبي أن تتكرر هذه الصورة الجميلة من صلاة الفجر إلى العشاء، حيث الصفوف المتراصة بين يدي الله، قدما لقدم، وكتفا لكتف. * لكن إلى أي درجة بالفعل، يمكن أن يصون هذا اللقاء الرباني المتكرر علاقاتنا الخاصة والعامة، ويجعل المؤمنين أمة واحدة، تواجه يومها وغدها، وهي متعارفة ومتعاونة، لا متناكرة ومتشاكسة؟ * الحكمة التي نعرفها من هذا اللقاء، هي أن المسجد هو المكان الذي تتصافح فيه القلوب والأيدي، وتتلاقى فيه على الحب والتعاون، تتجمع فيه الصفوف لحماية الفرد، كما تتجمع كرات الدم البيضاء لحماية الجسم من الجراثيم الغازية، يصاب بجرح، أو تنشأ به قرحة. * ونحن نعدّ الفرار من أداء هذه الوظيفة كالتولّي يوم الزّحف، والثباتَ فيها جهادا في سبيل الله، وأغلب الأحاديث النبوية تدور على المعنى، خصوصا عندما يتعرض الفرد المؤمن للخطر، أو تحدث في حياته ثغرة تتطلب الجماعة لسدّها. * ويؤسفني أن يفشل بعضنا أو أكثرنا في أداء هذه الوظيفة العتيدة، بل إن بعضنا ينجح بامتياز في تحقيق كل ما يشغله عنها، وقد رأيت رجلا يزجر آخر، لأنه كان لا يريد أن يصلي إلى جانبه، ورأيت آخر يترك صف الجماعة ويصلي وحده في تبذل وإسفاف. * وليست هذه أمور من قبيل العفو الذي سكت الشارع عنه، حتى نسكت عنها ونتيح فيها للناس حرية التصرف سلبا وإيجابا، إنما هي فوضى مرفوضة، وليس لأحد أن يجعلها دينا. وما قيمة مسجد إن لم ننفث في جنباته روح الحب والهناءة والمودة والتعاون!؟