مؤخراً، وعلى المباشر، بين رجلين من رجال الدولة، شاهدنا مباراة كرة المضرب، والكل يتمنن على الآخر، سواء بالأفضلية، أو بالأبوة، أو له المفتاح السري والسحري للخروج من الأزمة. * وبدايةً نقول إن عملية استعراض العضلات والتراشق بالكلام.. قد تم اختيار لها ملعب، تكثر فيه الانزلاقات ذات المخاطر على المتفرجين (الشعب) وبالتالي إذا كانت "القدوة" بنفس الدرجة من الانحطاط وانعدام الرؤية، فلا نلومن الاتباع، أو بعض أفراد الشعب عما يصدر منهم.. * فدرجة التراشق اللفظي بين "الحلفاء "- فرضاً - توحي بدون تردد أن الزواج بين الحزبين كان زواج متعة، وليس زواجا عاديا مبنيا على المودة، والوئام..، وهذا المستوى من التراشق اللفظي مؤشر - كذلك - على مستوى الطبقة السياسية، والرؤية الفلكلورية في بناء الجزائر، فالكل يدعي "امتلاكه" الوصفة السحرية وخاتم سليمان!!!، وتناسى هؤلاء أنه جزء من "المشاكل" التي يتخبط فيها المواطن الجزائري حالياً، فقد ساهم هؤلاء السياسيون فيها ولو بدرجات متفاوتة، ولذلك أصبح من الضروري أن نتجاوز هذه "الوجوه" الحزبية والسياسية بعيداً عن أسلوب التهريج المتبع حاليا، فيومياً تطلعنا الصحف عن هذه الممارسات التي تبتعد عن أخلاقيات العمل السياسي ونزاهته، حتى أصبحت ظاهرة "الڤرجومة "- بالعامية - هي التي تتحكم في حياتنا السياسية، فمن يملك الكلمة، والنبرة، يمتلك زمام الأمور وقد يصطلح على ذلك في العديد من الدول على هذا التصرف ب"الديماغوجية"، وقد تتكاثر في ظل غياب الحياة السياسية الصحية والنزيهة وفي ظل تفشي مستويات "الأمية السياسية" وعدم فهم مخرجات النضال السياسي، والحياة الحزبية.. * ففي العديد من الدول.. المبارزة تكون على البرامج والمشاريع، والأرقام، والحصيلة.. وليست على الأشخاص والمواعيد الافتراضية، والمغانم والأعراس المستقبلية.. وحتى الإضرابات التي تشهدها مختلف القطاعات الكل يهرول، ويصرخ ويشتم الآخر، على أنه المتسبب في الوضعية التي يعيشها قطاع من القطاعات بدون إجراءات ملموسة على أرض الواقع.. * الطلبة.. الأطباء.. المقيمون.. الحرس البلدي.. والقائمة قد تطول، كلهم في اضراب، بينما مسؤولو القطاع لم تتعد معالجتهم للملفات، ڤرجومتهم، أو تصريحاتهم المعسلة على أساس حقنا، أو أسسنا، أو الكل مكمل للآخر.. ؟! * فهذه الثقافة "اللفظية" العنيفة والتي هي قريبة للتبلعيط، أسست لحياة سياسية تطبعها الانتهازية، والزبونية، والارتجالية، والانفعالية بدلاً من العقلانية، والرزانة، فحتى الأتباع أصبحوا على دين ملوكهم، وفي مستويات عديدة في مختلف الهياكل الإدارية المركزية منها واللامركزية.. فحتى التحالفات، والشرعيات بدلاً ما تبنى على المرجعيات والبرامج، أصبحت تبنى على الأشخاص لقوة "تبلعيطهم" و"نجاستهم في الكلام".. * فالشعب الجزائري، وتاريخ الجزائر، لا تليق بهما نوعية ومستوى الطبقة السياسية الحالية، وأقل ما يقال عنها إنها تتفنن في الكلام، والتراشق بالسب والبهتان وأساليب التدليس.. بعيداً عن ميادين العمل الجاد ومتطلبات رجال الدولة.. فهذه العينة ليست استثناء أو خاصة برجلين فقط، بقدر ما هي القاعدة العامة التي تحكم الحياة السياسية والحزبية، وما الانشقاقات، والتصحيحات، والتنقلات، إلا إفرازات مادية لجنس السلوك. * وأخيراً، من باب الذكر، فالنذكر لعل الذكرى تنفع "المؤمنين".. لا يجب أن ننسى أن العديد من الأزمات، والحروب، والأساليب الأخرى من التعبيرات العنيفة، كانت شرارتها الأولى، ظواهر "ڤرجومية"، وزلات لسان، وتعبيرات عنيفة، مما خلق لدى الأفراد والمجتمع "ثقافة" الحقد، والكراهية، وعدم التسامح، بدلاً من غرس ثقافة الإخاء، والتضامن، والحب.. وهذه ليست أمنية صاحب المدينة الفضيلة، بقدر ما هي نماذج ناجحة للعديد من الديمقراطيات المعاصرة غرباً، وفي عالمنا الإسلامي..