يعد البيع بالتوقيع في الغرب، فرصة لترويج الكتاب وإيصاله إلى أكبر شريحة ممكنة وهو أيضا فرصة للقراء للاحتكاك بكتّابهم المفضلين والبحث ربما عن أوجه الشبه والتلاقي بين الكتاب وأعمالهم. فعادة المثل يقول: "إنه من الأفضل أن لا تلتقي بكاتبك المفضل ". * في الغرب يعد القارئ المعيار الأساسي لانتشار العمل وترشيحه للجوائز وتلك سياسة يبرع فيها الإعلام الثقافي في سياق خطة ترويجية وآلة رهيبة تتقن التسويق للكتاب كما نسوق نحن للأخبار المشبوهة. في الجزائر، ماذا يمثل البيع بالتوقيع للكتاب والمبدعين؟ سؤال يفاجئ من يجيب عنه، ليس لأنه صعبا أو محرجا، لكن الإجابة عنه تحمل دلالات اختلال المعايير وغياب تقاليد الاحتفاء بالإبداع والثقافية في هذا البلد، إذ اتّفق كل من طرحنا عليهم السؤال أن البيع بالتوقيع لا يخرج عن كونه فرصة للقاء الأصدقاء ومجاملة بعضهم البعض. * أمين الزاوي: علينا إخراج العادة من المدن الكبرى إلى الجزائر العميقة * يمثل البيع بالتوقيع عند أمين الزاوي فرصة لتأسيس علاقة مباشرة مع القارئ، ليس بغرض البيع بالمفهوم التجاري لكنه مناسبة لفتح الحوار المباشر والهامشي والحميم بين المبدع وقارئه في علاقة مفتوحة يتبادل فيها الكاتب والقارئ الأدوار، حيث يرغب المؤلف في معرفة صدى أعماله لدى قارئه المفترض، ويرغب الكاتب في تلمس صدى كلماته، كما يرغب القارئ في اكتشاف شخصية كاتبه عن قرب. غير أنه في الجزائر صار تقليدا روتينيا يجب أن نبحث له عن التجديد، لأن البيع بالتوقيع عادة ما يكون للكتب الجديدة لتسويقها وليس للكتب القديمة كما يحدث عندنا. كما دعا الزاوي إلى وجوب إخراج هذا التقليد من العاصمة والمدن الكبرى إلى الجزائر العميقة والمدن الهامشية، حيث القارئ الحقيقي وهذا شيء يتطلب من دور النشر أن تمارس عملها الترويجي للكتب بطريقة حرفية لإيصال الكتاب لقارئه. * بشير مفتى: البيع بالتوقيع لا يصنع نجوما في الجزائر * يقول بشير مفتي، أنا ككاتب لا يعنى لي البيع بالتوقيع أي شيء، لأنه عادة لا يضيف شيئا للكاتب والمبدع في ظل غياب القنوات الصحية وآليات ترويج الكتاب. لكن كناشر، أراه الوسيلة الوحيدة التي تتيح الاحتكاك المباشر بين الكاتب والقارئ في النهاية هو وسيلة من وسائل احتكاك الكاتب بقرائه الذين يفضلون رؤيته مباشرة كمعجبين، فإذا كنا نتقبل أن يكون للاعب الكرة والمطربين معجبين يمكن أن نتقبل أن يكون للكاتب أيضا معجبين يبحثون عن أعماله، فأي ناشر يحلم ويسعى جاهدا لصناعة نجم أدبي ويعمل على تسويق الكاتب وأن كانت نجومية تختلف عن نجومية السياسي ولعب الكرة لأن الكاتب يعمل على تمرير رسالة وتقديم فكرة. * سمير قسيمي: فرصة للقاء القراء الحقيقيين ونقاد بدون مجاملة * يعتبر سمير قسيمي البيع بالتوقيع فرصة للقاء قراء مميّزين ونقاد حقيقيين لأعمال الأدباء، بعيدا عن النفاق والمجاملة التي عادة ما يلقى بها الكتاب بعضهم البعض بها. فالقارئ البسيط يقارن ما يقرأه ويقدم رأيه بصراحة بدون مجاملة ولا محسوبية. فالكاتب بإمكانه أن يجد نفسه في صراحة القراء البسطاء ويستفيد من نظرتهم وتجاربهم. * زينب الأعوج: هو احتفاء رمزي بالكاتب والكتاب * تعتبر زينب الأعوج البيع بالتوقيع تقليدا جميلا يمنح لحظة لقاء حميمة بين الكاتب والمتلقي والمحبين والفضوليين الذين يريدون أن يتعرفوا عليه كشخص. * وتعد صاحبة »رباعيات نواره لهبيلة«، البيع بالتوقيع عملية رمزية لاحتفاء وتكريم الكاتب وتقليدا جميلا موجودا على المستوى العالمي ومستوى الوطن العربي وهو في الجزائر الفرصة الوحيدة للالتقاء بالمبدع ونصه. * لميس سعدي: البيع بالتوقيع لا يعني لي شيئا * البيع بالتوقيع بالنسبة للشاعرة لميس سعدي لا يعنى شيئا، لأنه لا يحيل عندنا إلى نفس التقاليد الموجودة في الغرب التي تعتبر فيه عملية البيع بالتوقيع إجراء طبيعيا تفرضه عملية الترويج للكتاب التي تبدأ من المكتبة والأعلام وتنتهي عند لقاء القارئ. وتعتبر لميس أن عملية البيع بالتوقيع تنظم للكتاب المشهورين والمنتشرة كتبهم التي تباع بالملايين ويجيء قراؤهم لاكتشافهم، أي أن عملية البيع بالتوقيع تأتي نتيجة حتمية لرواج الكتاب وانتشاره وليس العكس كما يحدث عندنا، حيث تعد هذه العملية الفرصة الوحيدة للترويج للكتاب وبيع الكتب. وفي غالب الأحيان تقتصر الجلسة على الأصدقاء والعائلة، في لقاء يتحول إلى مجاملة بين المعرف والأصدقاء، لأن حلقة الترويج للكتاب مبتورة في الجزائر. * عبد الرزاق بوكبة: عملية البيع بالتوقيع تدين المؤسسات الثقافية في الجزائر * عبد الرزاق بوكبة يرى أن عملية البيع بالتوقيع هي تجسيد ميداني لمفهوم التلقي، أين يلتقي الكاتب بقرائه كشريك في الإبداع، لأن من يمكّن للكاتب أن يصنع ويستمد وجوده ووجود نصوصه، فالقارئ هو الذي يعطى للكاتب المادة الأولية للإبداع. لذا فبالنسبة لبوكبة تعتبر عملية البيع بالتوقيع لحظة لتأسيس الصداقة مع القارئ. غير أن العملية، كما تتم عندنا، هي إدانة صريحة للمؤسسات الثقافية من ناشرين ومن جمهور ثقافي لا يناضل من أجل تقاليد مكرّسة. ويتساءل بوكبة عن الأسباب التي تجعل دور النشر تكبر وتكثر في ظل انحسار تام لحضور هذه الدور بشكل فعال كمؤسسة حقيقة بكل ما يعنيه مفهوم المؤسسة، هل هي ثقافة الريع هي التي أدت إلى انتشارها؟ وانطلاقا من هذا يدعو بوكبة المعنيين إلى إعادة النظر في مثل هذه التقاليد من أجل التأسيس لعلاقة صحية بين الكاتب والمتلقي.