توصل خبراء الاتحاد الإفريقي إلى صياغة مسودة قانون إفريقي لمحاربة الإرهاب ستعرض على القادة الذين يعقدون قمتهم في شهر جانفي المقبل، ويمثل مشروع القانون خطوة مهمة على مسار مكافحة الإرهاب وتوفير الإطار القانوني الذي يلزم كل الدول الإفريقية بالتعاون في هذا المجال. وحسب مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي رمطان لعمامرة فإن القانون يعتبر "أداة شاملة تهدف إلى توجيه إفريقيا في مجال مكافحة الإرهاب وتوحيد التشريعات وتكريس وتطبيق مبدأ قانون العقوبات الدولي المتمثل في المتابعة أو التسليم فور الاعتراف على الصعيدين الدولي والإفريقي بأن الأعمال الإرهابية جديرة بالعقاب"، ومن هذه الزاوية يعتبر مشروع القانون تطورا مهما على مستوى التعاون بين الدول الإفريقية حيث سيلزمها بالتعاون فيما بينها في ملاحقة الإرهابيين وتقديمهم للعدالة، وقد وصف لعمامرة القانون بأنه، "خطوة هامة على مستوى التعاون لكونه سيضع إفريقيا في الصفوف الأولى لمكافحة الإرهاب ويسمح كذلك للقارة بالحصول على هويات الأشخاص الذين يمارسون أنشطة إرهابية كما هو جار العمل به في الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي"، وهذا يعني بكل وضوح أن إفريقيا لن تكون في المستقبل الملاذ الآمن للإرهابيين على اعتبار أن كل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي التي تبنت المشروع وستصادق عليه في القمة المقبلة ستكون ملزمة قانونا بتقديم المعلومات الضرورية عن الإرهابيين وبالقبض عليهم وتسليمهم لعدالة الدول التي تطاردهم، وهو ما يسد فراغا قانونيا كبيرا كان يتسلل من خلاله الإرهابيون.
أحد أهم الآثار التي يمكن أن تترتب عن تطبيق هذا القانون هي غلق أحد أبواب أمام عقد الصفقات مع الإرهابيين كما حدث في مرتين الأولى في حالة مالي التي أطلقت سراح إرهابيين جزائريين وموريتانيين في إطار صفقة لتحرير الرهينة الفرنسية بيار كامات، والثانية إطلاق موريتانيا سراح إٍرهابي في إطار صفقة مماثلة لتحرير ثلاثة رهائن إسبان، وقد كان غياب قانون لمكافحة الإرهاب يلزم بتقديم المعلومات وتسليم الإرهابيين من أهم الثغرات التي يستغلها الإرهابيون، غير أنه يمثل أيضا مبررا يسمح لبعض الدول بالتملص من التزاماتها في ميدان مكافحة الإرهابية ويجعلها تخضع لضغوط الدول التي تريد أن تحرر رهائنها بأي ثمن، وقد كانت هذه إحدى القضايا الأساسية التي عكف الخبراء على دراستها حيث تم إدراج تجريم دفع الفدية ضمن المشروع المعتمد. من هذه الزاوية يمثل مشروع القانون المعتمد خطوة على مسار غلق الباب أمام مساعي التدخل الأجنبي في الشأن الإفريقي باستغلال مسألة مكافحة الإرهاب، حيث يمثل تعزيز التعاون بين الدول الإفريقية المدخل الضروري لتحسين الأداء الإفريقي في ميدان مكافحة الإرهاب، ووجود نصوص قانونية ملزمة سيضع الحكومات أمام مسؤولياتها في تقديم المعلومات وتنفيذ عمليات الملاحقة وتسليم الإرهابيين الفارين من العدالة، وهو ما يقلل إلى الحد الأدنى الحاجة إلى دور الأطراف الأجنبية في مجال مكافحة الإرهاب، كما أنه ينتظر من هذا القانون أي يعطي دفعا قويا للهياكل التي تم إنشاؤها مؤخرا مثل القيادة المشتركة التي تم اعتمادها في الجزائر وتضم دول الساحل الإفريقي وكذا الهيئة الخاصة بتبادل المعلومات، وهي هيئات بقيت دون فعالية بسبب الحسابات السياسية والتحالفات الظرفية التي لجأت إليها بعض الدول الإفريقية على حساب الوفاء بالتزاماتها السياسية. على مستوى آخر يمثل مشروع القانون المعتمد مدخلا لتأطير عمليات مكافحة الإرهاب ووضعها في إطار قانوني، وبهذا الخصوص اعتبر الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبدالقادر مساهل "أن وضع إطار قانوني لمكافحة الإرهاب ومرجع قانوني موحد بات يشكل أمرا ضروريا لدولة القانون وشرطا أساسيا لتنظيم عمل مختلف المؤسسات الإفريقية المعنية بمكافحة الإرهاب"، وأضاف " أن مكافحة الإرهاب تتطلب وضع معايير وقواعد قانونية تؤهل مصالح الدولة للعمل في إطار القانون ومنح مكافحة الإرهاب الإطار القانوني اللازم" وهو ما يعني غلق الأبواب أمام التدخل الأجنبي الذي يجعل من حقوق الإنسان ورقة سياسية، لكن أكثر من هذا يقدم مشروع القانون الضمانات الكفيلة بمنع استعمال مكافحة الإرهاب كوسيلة لتصفية الحسابات الداخلية في الدول الإفريقية وهو أمر وارد في ظل عدم استقرار الأنظمة السياسية في القارة وكثرة النزاعات الداخلية على السلطة فضلا عن النزاعات القبلية التي تمزق أكثر من بلد إفريقي، ومن هنا يبدو أن الاتحاد الإفريقي قد حقق خطوة مهمة على طريق تقنين مكافحة الإرهاب ووضعها في إطار مؤسساتي يعزز دولة القانون ويمنح مزيدا من أسباب المنعة في مواجهة محاولات التدخل الأجنبي.