أطلق أحمد أويحيى إشارات واضحة في تجاه بعض رموز المعارضة والصحافيين عندما قال إن على المواطنين أن يحموا البلد وذلك عندما رد على أسئلة حول ما سربه موقع ويكيليكس من وثائق الخارجية الأمريكية التي تتعلق بالجزائر . بالنسبة للوزير الأول فإنه ليس في تسريبات ويكيليكس ما يحرج الجزائر، وإلى حد الآن تؤكد الوثائق المنشورة أن وجهة نظر أويحيى ذات مصداقية، فقد بدت التصريحات المنسوبة إلى الرئيس بوتفليقة في لقائه مع مسؤولين أمريكيين متطابقة تماما مع الموقف الرسمي المعلن خاصة ما تعلق بالصحراء الغربية، وعلى عكس ما نقل عن بعض الأشقاء الذين بدت مواقفهم مناقضة تماما لما هو معلن، فإن الجزائر لم تشعر بالحرج من التسريبات، ولعل السبب في ذلك يعود أساسا إلى تقاليد الدبلوماسية الجزائرية التي تقوم على اتخاذ مواقف واضحة ومعلنة والسعي إلى الدفاع عن مواقفها في العلن وفي الاجتماعات غير الرسمية وحتى في اللقاءات التي تجري بشكل مغلق. والحقيقة أن ما نشر من وثائق بخصوص الجزائر ينقسم إلى نوعين، الأول هو الوثائق التي تتضمن تصريحات لرسميين أدلوا بها في إطار اجتماعات رسمية مع مسؤولين أمريكيين، وهناك نوع آخر يتضمن آراء وتقديرات الدبلوماسيين الأجانب المستوحاة من تصريحات بعض زعماء المعارضة في الجزائر أو بعض الصحافيين، وهذا النوع الآخر لا يقدم معلومات أو مواقف رسمية بل يحفل بآراء ذاتية تعكس آراء أشخاص دون أن تستند إلى أي معلومات أو معطيات رسمية، والمهم أن بعض زعماء الأحزاب السياسية والصحافيين في الجزائر سعوا إلى التأثير على الموقف الرسمي الأمريكي من خلال نقل انطباعاتهم للسفير الأمريكي الذي يجتمعون به. وقد أقر الوزير الأول بأن للدبلوماسيين أن يقوموا بمهامهم، وهي إشارة إلى أن السفير الأمريكي وسائر الدبلوماسيين الذين يعملون في السفارة هنا قاموا بعملهم بشكل طبيعي وأن المشكلة لا تكمن في تقارير الدبلوماسيين الأمريكان ولا في تقديراتهم، فأين المشكلة إذن؟، المشكلة هي في أولئك الذين يتبارون لتقديم المعلومات أو التقديرات لممثلي السفارات الأجنبية مع الادعاء بنقل الحقيقة عن الوضع القائم في الجزائر، وليست هذه هي المرة الأولى التي تثور فيها هذه القضية، فقد كانت السلطات حذرت من التعامل مع السفارات الأجنبية، كما عمدت إلى تقييد تحركات الدبلوماسيين الأجانب، والفرنسيين خاصة، وتحديدا في منطقة القبائل، بعد أن بدت تحركات هؤلاء مشبوهة، وتم تنبيه الأحزاب السياسية إلى المحاذير التي تحيط باللقاءات التي تجري مع السفارات الأجنبية وخاصة السفارة الأمريكية بعد أن دأب صحافيون ورؤساء أحزاب على تقديم تقارير مفصلة عن الوضع في البلاد لمسؤولين أمريكيين يزورون الجزائر أو للدبلوماسيين العاملين في السفارة هنا في الجزائر، وقد أبدت الجزائر بصفة رسمية رفضها لتجاوز الممثليات الدبلوماسية لدورها وتدخلها في الشأن الداخلي للبلاد. الوثائق المسربة أثبتت أن رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي بدا متحمسا في التعامل مع السفير الأمريكي، وقد نقل له تفاصيل لقاءات مع مسؤولين في الدولة، لكن الغريب هو أن سعدي لم ينقل عن المسؤولين الذين قابلهم معلومات دقيقة بل راح يقدم استنتاجاته الشخصية ما يوحي بأنه كان يرغب في التأثير على الموقف الرسمي الأمريكي، ووصل به الأمر إلى حد تنبيه الأمريكيين إلى خطورة التخلي عن دعم الديمقراطية في الجزائر وهي إشارة تفهم مباشرة على أنها دعوة للتدخل، وتعيدنا هذه الواقعة إلى الجولات التي قام بها سعيد سعدي إلى الخارج قبل تعديل الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية فقد زار دولا أوروبية وكندا والولايات المتحدةالأمريكية، ولم يكن يخفي حماسته لطلب التدخل الخارجي من أجل تغيير النظام السياسي في الجزائر، ومن هنا جاءت الوثائق المسربة لتؤكد أن تلك الدعوة العلنية لم تكن مجرد خطاب سياسي من أجل الضغط بل كانت هدفا يسعى إليه سعدي في السر والعلن. ليس سعدي وحده هو من سار على هذا النهج، فقد تحدث عبد الله جاب الله أيضا للسفير الأمريكي عن الفساد المستشري، وبدا من الغريب أن يتخذ أحد رموز التيار الإسلامي الذي لا يهادن أمريكا هذا الموقف ويجعل من أمريكا ملجأه من أجل تحقيق أهدافه السياسية الداخلية، ويضاف إلى هؤلاء الصحافيون الذين يقدمون وجهات نظرهم على أنها حقائق، وقد دأب بعض مسؤولي الصحف على تقديم تقارير مكتوبة إلى مسؤولين أمريكيين تخص الوضع القائم في البلاد رغم أن تلك التقارير لا تتضمن أي معلومات موثقة، غير أن آراء الصحافيين وتقاريرهم كانت تعتمد من قبل الدبلوماسيين الأجانب لتشكيل صورة عن الوضع، وهي الصورة التي نجدها لدى السفير الفرنسي السابق بيار باجولي الذي نقل صورة مشوهة لزميله الأمريكي واختزل الوضع في الجزائر في عبارات من قبيل إن الوضع هش، وأن الاستثمارات تلاقي صعوبات، وأن الوضع الصحي للرئيس غير مستقر، وكل هذه التقديرات تستند إلى آراء صحافيين وسياسيين جزائريين دأبوا على الاتصال بالسفارة الفرنسية أو الأمريكية في إطار نشاطات رسمية أو غير رسمية. هذه الوقائع تكشف عن أحد أسباب تشوه صورة البلد في نظر الأجانب، وهي تبين الدور السلبي الذي يلعبه بعض الساسة والإعلاميين، وأن حماية البلد هي مهمة الجزائريين وليست مهمة الدبلوماسيين الأجانب الذين أرسلوا إلى هنا لجمع المعلومات ومعرفة دقائق ما يجري على الأرض.