لم تنحصر مداخلات رؤساء المجموعات البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني على مناقشة المشروع المتعلق بالبلدية بقدر ما تحولت إلى مناسبة من أجل المطالبة الجماعية بالإصلاح السياسي الشامل، رغم اختلاف وجهات النظر بين الأحزاب في هذا الشأن، وكانت نقطة انطلاق هذه المداخلات من الالتزامات التي قطعها الرئيس «بوتفليقة» قبل يومين في رسالته احتفالا بعيد النصر. على الرغم من التباين الحاصل في مواقف المجموعات البرلمانية حيال ما جاء من تعديلات على مشروع قانون البلدية، إلا أن الإجماع كان شبه واضح أمس في آخر جلسة من مناقشة هذا النص التشريعي على ضرورة أن تكون هناك إصلاحات سياسية إضافية تتناسب مع التحوّلات الجارية في المنطقة وكذا استجابة لتطلعات الجزائريين. ومن هذا المنطلق أشار «العياشي دعدوعة»، رئيس الكتلة البرلمانية للأفلان، إلى أن حزبه كان السباق إلى المطالبة بإجراء تعديلات عميقة في الدستور تتماشى وظروف المرحلة الراهنة، كما خصّ بالذكر أولوية مراجعة قانوني الانتخابات والأحزاب، معتبرا أنها جاءت في سياق يختلف عما تعيشه الجزائر اليوم، دون أن يتردّد في التأكيد بأن جبهة التحرير الوطني «من حيث المبدأ تزكي طرح المشروع وما توصل إليه التقرير التمهيدي من تعديلات وتصويبات». وأوضح «دعدوعة» أن الأفلان شكّل لهذا الغرض لجانا متخصّصة ونظم العديد من الندوات والاجتماعات التي انتهت إلى تبني تقارير تتعلق بتعديل النصوص التشريعية «بما يستجيب لتطلعات الجماهير الشعبية ويُجيب عن انشغالاته..». وبعد ذلك تفرّغ إلى التحذير من عقبات أن نصل إلى مرحلة يقاطع فيها الناخبون نهائيا صناديق الاقتراع، وبنى هذا الطرح من خلال ما اعتبره «إفراغ المجالس المحلية المنتخبة من محتواها بسبب عدم توفر الإمكانيات وغياب وسائل ممارسة الصلاحيات». كما شدّد المتحدث على ضرورة إصلاح أنظمة تسيير الدولة عن طريق تطبيق نظام اللامركزية الإدارية، ومن دون ذلك «ستتحوّل بلدياتنا إلى هيئات وهمية للامركزية»، حسب «دعدوعة»، الذي أضاف «لا ينبغي الاكتفاء بتحويل الصلاحيات بل يجب مرافقة ذلك بتحويل وسائل حل المشاكل خاصة المالية منها». ومن جانبه رافع رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي، «ميلود شرفي»، لصالح توسيع صلاحيات المنتخبين المحليين وإنهاء بعض العراقيل التي تحول دون ممارسة المنتخب هذه الصلاحيات، مدافعا عما جاء به المشروع «من أحكام من شأنها تصحيح النقائص والاختلالات المسجلة في إطار احترام قواعد سير الهيئة المنتخبة..»، وأبدى دعمه المطلق للتدابير المتعلقة بالحفاظ على استقرار المجالس المحلية، إضافة إلى الشق الخاص باقتراح تعويضات مناسبة «ستساهم لا محالة في إعطاء حركية جديدة للمنتخب». وأوضح «شرفي» مداخلته أن كتلة «الأرندي» ركزت على إثراء القانون باقتراحات تطالب بتكريس مبدأ الشفافية في العلاقات بين المنتخبين والإدارة بخصوص تسيير شؤون المجلس البلدي، إلى جانب إرفاق ذلك بإصلاح شامل في الجباية المحلية يُمكن فيها الاعتماد على المنتخب من أجل تلبية احتياجات السكان، وبالتالي يصبح ذا مصداقية لدى الناخبين خاصة إذا تحقّق التكامل مع الإدارة، ولذلك اعتبر أن هذا المشروع يُدرج في سياق «لبنة أساسية ضمن الإصلاح الشامل في البلاد». ومن وجهة نظر رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، «محمد السعيد بوبكر»، فإن مشروع قانون البلدية هو جزء من منظومة تشريعية وقانونية بحاجة إلى مراجعة، وهو يرى بأن هذا المطلب كفيل بتحقيق الانسجام والتكامل، لافتا إلى أن المجموعة قدّمت ما لا يقل عن 50 مقترح تعديل، ودعا بالمناسبة إلى «تكريس سلطة المجالس المنتخبة وترجيح المؤهل العلمي معيارا أساسيا لاختيار المنتخبين..»، وألح على توضيح صلاحيات الأمين العام للبلدية حتى لا تتداخل الصلاحيات مع الحرص على مراجعة النظام التعويضي بما يتناسب مع المهام الموكلة للمنتخب المحلي. وعلى حد تعبيره فإنه «حان الأوان من أجل تحقيق التوازن المنشود» من خلال «الشروع في الإصلاح الجوهري الشامل»، مرتكزا على فتح نقاش وطني كفيل برسم خارطة طريق نحو المستقبل، مثلما دعا إلى القضاء على كل أشكال الفساد وعلى كافة المستويات، إضافة إلى مطالبته بإعادة النظر في الكثير من السياسات بشكل عميق وترتيب أولويات المرحلة القادمة بما يستجيب لطموحات الجماهير. أما رئيس كتلة حزب العمال، «رمضان تعزيبت»، فيرى أنه كان من الأولى مراجعة قانون الانتخابات قبل قانون البلدية وليس العكس، مطالبا بدوره بإصلاحات سياسية تكون بالعودة إلى مجلس تأسيسي يختار فيه الشعب مؤسساته، وتابع «المجلس التأسيسي ليس نكرانا للماضي وإنما يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة»، ليضيف «نحن أما خيار إصلاح ديمقراطي شامل..والحد الأدنى بالنسبة لنا هو الاستدعاء لانتخابات تشريعية ومحلية مبكرة في إطار الإصلاح السياسي ثم فتح نقاش حول تعديل الدستور».