أعربت روسيا عن دعمها الكامل للدور النشيط الذي تلعبه الجزائر في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، ويضاف هذا التوافق السياسي إلى مجالات أخرى من التعاون الوثيق التي تميز العلاقات الجزائرية الروسية منذ عقود . قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في أعقاب مباحثات أجراها أمس مع وزير الخارجية مراد مدلسي الذي يزور موسكو، إن روسيا “ لا تدعم جهود الجزائر في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل فحسب بل و تتعاون بنشاط مع الجزائر في بذلها، سواء كان على المستوى الثنائي أو في الإطار المتعدد الأطراف أو في إطار المنتدى العالمي لمواجهة الإرهاب والذي تم تشكيله في سبتمبر الماضي في نيويورك”، ومن جهته أعرب مدلسي عن قناعته بأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةوروسيا يجب أن تشارك الجزائر في مكافحة الإرهاب بالمنطقة، وقال:” يسرنا أن روسيا تشارك في هذه الجهود”. الموقف الروسي يمثل أحد عوامل التوازن في المنطقة، وهو يعكس دعما سياسيا واضحا للجزائر التي تصر على ضرورة أن تتولى دول المنطقة التنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات الأمنية التي تفرض على المنطقة واستبعاد التدخل الأجنبي دون غلق الباب في وجه التعاون الدولي لمواجهة هذه الظاهرة، ويبدو واضحا أن الموقف الروسي يمثل ردا من قوة دولية كبرى على النزعة التدخلية لقوى العظمى. المستوى الآخر من الدعم السياسي الروسي نجده في التوافق حول مسألة استبعاد التدخل الأجنبي من أجل تغيير الأنظمة القائمة في بلدان المنطقة، وفي هذا الإطار قال لافروف: “إن روسياوالجزائر تتفقان في موضوع ضرورة احترام سيادة القانون واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها دون تدخلات خارجية”، وأضاف ” إن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بحاجة الى مثل هذه المواقف، حيث تؤمن روسياوالجزائر بضرورة الاعتماد على السبل السلمية وحدها لحل القضايا الموجودة عبر بدء حوار وطني واسع تشارك فيه جميع الفرق السياسية والطائفية والإثنية، كي يكون الحوار على أساس التوافق حول تطوير الدول والمجتمعات”، ومعلوم أن روسيا تعارض بشدة التدخل العسكري من أجل تغيير الأنظمة السياسية، وكانت قد اتخذت موقفا مطابقا للموقف الجزائري من الأزمة الليبية وعارضت تدخل حلف شمال الأطلسي هناك، غير أن معارضتها للضغط على سوريا كانت أشد حيث لجأت إلى استخدام حق النقض لمنع صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يدين سوريا. التحولات الجارية في المنطقة العربية وسعي الدول الغربية لإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها الإستراتيجية تثير ريبة روسيا التي تشعر بأن مصالحها مستهدفة، ويتقاطع هذا الموقف مع ما تطالب به الجزائر من احترام لسيادة الدول، وإعطاء الأولوية للتحول السلمي والهادئ بالحوار بين مختلف مكونات المجتمع من أجل تجنب العنف الذي يؤدي إلى تدمير الدول وتفتيتها، ومن هنا تبدو روسيا الآن كفاعل أساسي يمكن التنسيق معه من أجل الحد من مخاطر التدخل الأجنبي. العلاقة الجزائرية الروسية حافظت على طابعها المتميز، وقد عرفت تطورا كبيرا منذ توقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في أفريل 2001، وقد اعتبر لافروف أن هذا الإعلان لا يزال ذا أهمية حيوية اليوم، وقال:” يستمر بين بلدينا الحوار السياسي المكثف، كما تتطور العلاقات في المجالين الاقتصادي والعسكري التقني، الامر الذي يتماشى مع البيان نصا وروحا”. وتسعى موسكو إلى الظفر بحصة من المشاريع التي ستنفذ في إطار المخطط الخماسي الممتد إلى غاية سنة 2014، وكانت روسيا قد أبدت بعض الامتعاض بسبب عدم حصول الشركات الروسية على حصة كبيرة من المشاريع في الجزائر، فخلال زيارة الرئيس بوتفليقة إلى روسيا في فيفري من سنة 2008 تحدث معه الرئيس الروسي السابق، وهو رئيس الوزراء الحالي، فلاديمير بوتين، بصراحة قائلا ” إن روسيا ترغب في أن تعمل شركاتها في الجزائر وفق مبدأ التكافؤ مع الشركات الأوروبية”، وقد اضطر بوتفليقة إلى تنبيه نظيره الروسي إلى أن فكرته عن طريقة الحصول على المشاريع في الجزائر ليست دقيقة فقال “بين الفينة والأخرى نجد نوعا من عدم الرضا في الصحافة الروسية لأننا لم نبرم صفقات بالتراضي، فنحن مضطرون للإعلان عن مناقصات دولية وتناولها بالدراسة”، ويبدو أنه تم تجاوز سوء الفهم هذا، وتدفع الأوضاع السياسية المتوترة في المنطقة البلدين إلى مزيد من التنسيق والتقارب.