أثار التوتر في العلاقات التركية الفرنسية على إثر مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون يجرم إنكار إبادة الأرمن ردود فعل في الجزائر على المستوى غير الرسمي، ولا يبدو أن موقف أنقرة لاقى الاستحسان الذي كان يتوقعه رئيس الوزراء التركي من قبل من يعتبرهم ضحايا جرائم الإبادة الفرنسية. رد الفعل الأول صدر عن المنظمة الوطنية للمجاهدين التي اعتبر أمينها العام «سعيد عبادو» أن «الجزائر لم ولن تتخلى عن مطالبتها فرنسا بالاعتراف بما اقترف الاستعمار في حق الجزائريين، فالموضوع الجزائري مطروح على الدوام بالنسبة لنا، ولا رجعة فيه، وهو ليس مرتبطا بحدث أو ظرف آني، الجزائر والأسرة الثورية متمسكة بهذا الموضوع لأبعد حدود، ولا نرى ضرورة الربط بينه وبين ما يحدث بين فرنسا وتركيا»، وذهب «عبادو» إلى وصف ما يجري بين أنقرة وباريس من سجال على أنه «شأن سياسي بين دولتين لا يفترض للجزائر أن تكون طرفا فيه»، مضيفا أن «الجزائر تعرف كيف تدافع عن ملفها بعيدا عن الظرفية، فما يحدث بين تركيا وفرنسا قضية تخصهم، ولا نرى سببا يدفعنا للتدخل، أما عن الضغط الجزائري على الطرف الفرنسي فهو موجود في الجزائر وفي فرنسا». الطرف الجزائري الآخر الذي عبر عن موقفه هو حزب جبهة التحرير الوطني، وقد ربط المسألة كلها بالانتخابات، وأن أردوغان من خلال مواقفه هذه إنما يريد مساعدة الإسلاميين الجزائريين وإضعاف الأفلان، وهذه القراءة التي تركز على جزئية فقط لا تهمل الإشارة إلى أن الجزائر ليست في حاجة إلى من يدافع عنها أو يتبنى قضاياها التاريخية لأنها قادرة على إدارة هذا الملف بنفسها وبالطريقة التي تخدم مصالحها، ويبدو أن استعمال أردوغان لموضوع جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لإدارة العلاقة المعقدة مع باريس لم يلق استحسانا من قبل الجزائريين رغم أن هناك من تحمس للأمر ووجه انتقادات للجهات الرسمية بالتقاعس عن تجريم الاستعمار، ولعل موقف الأفلان ينطلق من الدفاع عن سمعة الحزب الذي سحب مشروع قانون لتجريم الاستعمار كان قد اقترحه أحد نواب الحزب في البرلمان. الاستعمال السياسي التركي لجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر يبدو واضحا إلى أبعد الحدود، فموقف أنقرة ليس مبدئيا بل ارتبط أساسا بملف إبادة الأرمن الذي يجري استغلاله سياسيا أيضا من الجانب الفرنسي في إطار تسيير علاقة معقدة وحساسة بين البلدين، ففرنسا تعتبر من أكثر الدول الأوروبية معارضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا الموقف سابق لفترة حكم نيكولا ساركوزي، وهو من الأسباب المباشرة لتوتر العلاقات بين الطرفين، غير أن تركيا بدأت خلال السنوات الأخيرة تسعى إلى دور نشيط في منطقة الشرق الأوسط مستغلة عنصر الهوية الإسلامية وهو العنصر الذي على أساسه رفضت عضويتها في الاتحاد الأوروبي، حيث قال ساركوزي في أحد الاجتماعات المغلقة إنه لا يتصور أن تكون للاتحاد الأوروبي حدود مع سوريا، كما نصح الأوروبيون في مناسبات سابقة أنقرة بالتوجه شرقا لأن ذلك هو محيطها الطبيعي بدل التطلع إلى الغرب الذي يختلف عنها في كل شيء.