تحوّلت مشاكل عمال الأسلاك المشتركة في قطاع التربية إلى ما يُشبه «كرة» أصبحت تتقاذفها النقابات للضغط والمناورة في مواجهة الوزارة الوصية، بل إن هذه الفئة أصبحت بمثابة «ورقة رابحة» تراهن عليها الكثير من التنظيمات النقابية بدليل ظهور صراع خفي لاحتواء مطالب عمال هذه الشريحة من أجل افتكاك مطلب الإدماج الذي يأتي على رأس الأولويات. في وقت يترقب فيه أكثر من 130 ألف عامل تسوية وضعيتهم المهنية بالحصول على الإدماج وإعادة النظر في «الأجور الزهيدة» التي يتلقونها، تسارع عدد من التنظيمات النقابية في قطاع التربية إلى الاستثمار في مشاكلهم من أجل «التموقع وابتزاز الوزارة». وقد تطوّر الأمر إلى صراع معلن بين عدد من التنظيمات حول من يمتلك الوصاية على هذه الشريحة، وليس أدلّ على ذلك أكثر من إقرار ثلاث إضرابات للأسلاك المشتركة في ظرف لا يتعدى الأسبوعين. وقد تبنى الحركة الاحتجاجية الأولى (3 و4 جانفي) الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين عبر تنشيط لجنة الأسلاك المُشتركة التي تنشط تحت لوائه، فيما وقفت وراء الحركة الاحتجاجية الثانية (9 و10 جانفي) النقابة الوطنية لعمال التربية والتكوين. أما الإضراب الثالث لمدة خمسة أيام المرتقب مطلع الأسبوع المقبل (15 حتى 19 جانفي) فقد تبنته النقابة الوطنية للأسلاك المُشتركة والعمال المهنيين. والفرق بين هذه النقابات أن الأولى والثانية حصلتا على الاعتماد، وهي تزاول نشاطها النقابي بصفة رسمية، فيما لم يتم لغاية الآن اعتماد النقابة الثالثة التي أودعت الملف منذ سنة 2007 رغم أنها تحظى بدعم كبير من المنتسبين إلى هذه الفئة. والواقع أن هذا الصراع المحتدم لم يخدم شريحة عمال الأسلاك المشتركة في شيء، فهو من جهة يُضعف موقفهم من أجل افتكاك قرارات ملموسة لصالحهم من طرف الوزارة بدليل أن سنوات النضال لم تنفع حتى الآن في تغيير الوضع المزري، ومن جانب آخر فإن هذا التشتّت يُقسّمهم من حيث الولاء ما يعني في نهاية المطاف أن قوة الضغط سوف تتوزّع بين النقابات المذكورة، وفي كل الأحوال فإن الخاسر الأكبر يبقى العامل البسيط. وتعتبر هذه الفئة الأقل أجرا داخل قطاع التربية الوطنية، وهو ما جعلها وجهة لمختلف التنظيمات النقابية للاستثمار فيها واستغلالها في تدعيم صفوفها، ويتضح الصراع أكثر في تبادل الاتهامات عشية كل حركة احتجاجية وتأكيد كل تنظيم أحقيته في تمثيل هذه الفئة على حساب التنظيمين الآخرين، وقد لجأت النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين إلى اتهام النقابات الناشطة في قطاع التربية بأنها «تُريد تنصيب نفسها كممثلة لهذه الفئة لتحقيق مصالحها الشخصية»، حيث وضعت نفسها صاحبة «المبادرة الشرعية والممثلة الحقيقية لهؤلاء العمال». وعلى الرغم من كون فئة الأسلاك المُشتركة والعمال المهنيين تنشط بقطاع التربية إلا أنها غير تابعة له بشكل رسمي، ما جعل غالبية المطالب التي رفعتها مختلف النقابات تتمحور بالأساس في ضرورة إدماجها ضمن السلك التربوي وإعادة سُلم التصنيف والإعلان الرسمي عن إلغاء القرار 19 و 22 من قانون الوظيفة العمومية الخاص بالخوصصة، إلى جانب مطالب أخرى تشمل تعميم الاستفادة من منحة الجنوب كمنحة السكن ومنحة الكهرباء ورفع منحة المردودية. وأمام هذه التطوّرات لم يستفد 130 ألف عامل في الأسلاك المشتركة على أدنى المطالب المرفوعة خصوصا وأن أكثر من 70 بالمائة منهم لا تتجاوز رواتبهم حدود الأجر الوطني الأدنى المضمون (18 ألف دينار)، وتتكون هذه الفئة من عمال الأسلاك المُشتركة من عدد يُعادل 26 ألف عامل تتراوح أجورهم بين 17 ألف و26 ألف دج قبل تطبيق قرار رفع الأجور إلى 18 ألف دج الذي يدخل حيّز التنفيذ جانفي الجاري. أما العمال المهنيون الذين يتجاوز عددهم 100 ألف عمال فينقسمون إلى ثلاثة أصناف، يسهرون على حراسة المؤسسات والنظافة وكذا إصلاح الكهرباء ومستلزمات التعليم مثل الكراسي والطاولات والسهر على البستنة والعمل في المخازن وغيرها وهم منتشرون عبر الإكماليات والثانويات ومديريات التربية وبعض المعاهد التابعة لوزارة التربية، ويتقاضى جل هؤلاء أجورا تتراوح بين 13 و15 ألف دج والقليل منهم الذين لهم الحظ في بلوغ 17 ألف دج.