بقلم: خالد كاكي/ مدريد زُرتَني في الحُلم فجرَ اليوم، وجهُكَ كان شاحباً ويداكَ نحيلتين. عرفتُ من الحُزن الذي يُغرِق عينيك أنك ميّت! . . . زرتَني فجرَ اليوم في حُلم، خطيبتكَ الحسناء كانت معك مع أنها لم ترافقك أبداً في رحلتك الأخيرة. كانت حزينة هي الأخرى وعلى شفتيها قصّة ميّتة. . . . كنتَ جالساً إلى شاشة صغيرة تكتبُ رسالةً لأحد ما. لم تُوجّه لي نظرة، لم تقل شيئا، ولم تَضحَك بخُبث ومَكر كما كنتَ تفعلُ في حياتك. . . . مُذ ودّعتني آخر مرة - وأُقسِمُ أن الموتَ كان بائناً، جلياً في عينيك يومها رغم جهلي بلغته- وشبحُكَ الصامت يودّ لو يقصّ لي قصة فريدة، يودّ لو يضحك من قلبه تماماً كما كنتَ تفعل قبل أن يُجلسك الموت في قارب لامجاذيف له. . . . زُرتَني هذا الفجر يا صديقي وكنتَ متعباً، هزيلاً كما لم تكُن أبداً في حياتك. كنت شحيحاً، منكفئاً وصامتاً كما لم تكن قَط، وكنت وحيداً وميتاً رغم أن رفيقتك التي تموت فيكَ حباً، كانت معنا، تقتسم الطاولة نفسها وأنت غارق في شاشة صغيرة -لعلها شاشة الموت، فنحن نجهل لغته- تكتب لأحدهم رسالة فارغة. . . . مالذي جاء بكَ في تلك الساعة من الفجر؟ وماذا تريدُ من هذا العالم؟ أرملتكَ الفاتنة تَموتُ كلّ يوم وأنت عاجز عن أن تراها حتى وهي تقتسم معنا طاولة الحُلم. . . . شَعرُكَ الأسود لم يزل لامعاً وكثيفاً. لم تَكبَر في موتك يا صديقي ولم ينتصر الوقت عليك. سوى أنك الآن تبدو أكثر صمتاً وغرابة، وتبدو – كما لم تكن أبداً- أكثر حزناً وخوفا. . . . هل من رسالة لأرملتك الشابة؟ لقاتلك الضاحك؟ هل من رسالة لي؟ هل من رسالة للأعوام التي اقتطعوها من عمرك؟ للضحكات التي كنت تود ضحكها؟ للأغاني التي كنت ستغنّيها ذات يوم؟ هل أنك كاتب لي شيئاً في شاشتك الصغيرة تلك دون أن أدري، ودون أن تعلّمني حرفاً من لُغة موتِك؟