دمعة الخوف يذرفها بيت إيماني تهيئة البيئة الإيمانية مهمة في تربية المرء على رقة القلب واستشعار الخشوع واعتياد العين على البكاء، فلم يكن الصالحون يصلون إلى هذه الدرجة من خشية الله لولا أن هناك بيئة إيمانية تربوا فيها، أعانتهم على ذلك، وتلك البيئة لها أكبر الأثر في التشجيع على الأعمال الصالحة والتربي عليها، والمربون الذين يهملون تهيئة تلك البيئة أو يتناسون أثرها مخطؤون. يروي «ابن الجوزي» رحمه الله أن «عمر بن عبد العزيز» بكى ذات ليلة، فبكت زوجته «فاطمة»، فبكى أهل الدار، لا يدري أولئك ما أبكى هؤلاء، فلما تجلت عنهم العبرة سألوه "ما أبكاك؟" فقال "ذكرت منصرف القوم بين يدي الله؛ فريق في الجنة وفريق في السعير". تربية يقتدي بها الناس للقدوة أثر كبير على التربية، فقد كان البكاؤون السابقون يجدون القدوة الصالحة في معلميهم ومربيهم، فكانوا يتشبهون بهم إلى أن يصير العمل الصالح عندهم أساسا وأصلا، أما أن يبح صوت خطيب أو معلم يعظ الناس في البكاء والناس لم يروا عليه أبدا أثرا للبكاء، فلا أثر لنصحه. ليس بكاءً على أمر دنيا المقصود بالبكاء هو بكاء الخشية من الله، وهو ما كان باعثه مخافته سبحانه وتوقيره، لما حصل من تقصير في حقه تعالى وكثرة الذنوب وخوف العاقبة، لا البكاء على شيء من الدنيا فات أو صاحب فقد أو مصيبة حدثت، وقد كانت أسباب بكاء الصالحين السابقين تدور حول تذكر ذنبهم وسيئاتهم وآثار ذلك أو التفكر في تقصيرهم تجاه ربهم سبحانه أو الخوف من عذاب الله سبحانه وسوء الخاتمة أو الخوف من ألا تقبل أعمالهم الصالحة أو الخوف من الموت قبل الاستعداد له أو الشوق إلى الله سبحانه ومحبته أو خوف الفتن ورجاء الثبات على دينهم.