منذ أن خلق الله البشر وهم يحملون بين جنباتهم همّاً يصارع هذه النفس الضعيفة، وتختلف مشاربُ الناس في هذا الهمّ: همّ المال، همّ المنصب، همّ الجاه، همّ الزوجة، همّ الأولاد، همّ الدراسة، همّ المستقبل المجهول، همّ السعادة بالنظرات المختلفة لها، حتى اللص والزاني يحملون همّاً، لكنهم ترجموا همّ اللذة والمال بصورة خاطئة، إلا أن هناك صنفا من الناسِ تميزوا بهمٍّ ارتقى بهم للمنازل العالية وعاشوا مع همٍّ ربما غاب عن فكر الكثير، إنه همٌّ جميلٌ ليتنا نعيشه ونلتقي به ونكون من أهله، إنه همّ الآخرة. فمنْ منا يحمل همّها في نفسه هل فكرنا في همّ الموقف يوم تدنو الشمس من الرؤوس هل فكرنا في همّ عبور الصراط وأهواله هل فكرنا في همّ الوقوف بين يديّ الله للحساب هل فكرنا في همّ الكتاب وبأين يدٍ نأخذه هب فكرنا في همّ دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ونحن لا نعلم من أين الفريقين نكون، هل فكرنا في همّ النجاة والفوز الكبير، قال تعالى "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"، فكم حملتنا رياح الغفلة عن هذه المواقف وعن هذه الهموم جنّة. قال صلى الله عليه وسلم "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"، رواه «الترمذي»، وقال أيضا "تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أموره وجعل غناه في قلبه، وما أقبل عبد بقلبه على الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة وكان الله إليه بكل خير أسرع"، رواه «البيهقي».