نظر المفسرون والعوام من العارفين باللغة منذ القديم إلى قوله تعالى "وَالطُّور. وَكِتَابٍ مَّسْطُور. فِي رَقٍّ مَّنشُور. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُور. وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ. وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور"، بكثير من الريبة والحذر، حيث جاءت المعاني الظاهرة بالقول المتنافر حسب إدراك العقل البسيط لظواهر الحقائق الوجودية، ذلك أن هذه الآية تشير إلى دلالة غريبة، إذ يقول اللغويون إن "سجر التنور" يعني أنه أوقد عليه حتى أحمي، والعقل العربي وقت نزول القرآن الكريم وبعده لم يستطع أن يستوعب هذه الحقيقة البلاغية التي تكتنز لبّها في معجزة علمية، كيف يكون البحر مسجورا والماء والحرارة من الأضداد، حتى أكتشف حديثا أن الأرض التي نحيا عليها لها غلاف صخري خارجي، وهذا الغلاف ممزق بشبكة من الصدوع، تمتد لمئات من الكيلومترات طولا وعرضاً بعمق يتراوح ما بين 65 و150 كيلومترا طولاً وعرضا، ومن الغريب أن هذه الصدوع مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا يجعلها كأنها صدع واحد، ويقسم الله سبحانه وتعالى في آية أخرى فيقول "وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْع"، وفي هذه الآية إعجاز واضح، فالله يقسم بصدع واحد الذي هو عبارة عن اتصال مجموع الصدوع، ويشبهه العلماء باللحام على كرة التنس، وقد جعلت هذه الصدوع في قيعان المحيطات، وهذه الصدوع يندفع منها الصهارة الصخرية ذات الدرجات العالية التي تسجر البحر، فلا الماء على كثرته يستطيع أن يطفئ جذوة هذه الحرارة الملتهبة ولا هذه الصهارة على ارتفاع درجة حرارتها قادرة أن تبخر هذا الماء، وهذه الظاهرة من أكثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء، وقد قام العالمان الروسيان «أناتول سجابفتيش» وهو عالم جيولوجيا و«يوري بجدانوف» وهو عالم أحياء وجيولوجيا وبالاشتراك مع العالم الأمريكي «رونا كلنت» بالغوص قرب أحد أهم الصدوع في العالم، فقد غاصوا جميعاً وهم على متن الغواصة الحديثة «ميرا» ووصلوا إلى نقطة الهدف على بعد 1750كم من شاطئ «ميامي» وغاصوا على بعد ميلين من السطح، حيث وصلوا إلى الحمم المائية التي لم يكن يفصلهم عنها سوى كوة من الأكرليك، وكانت الحرارة 231م وذلك في وادٍ على حافة جرف صخري، وكانت تتفجر من تحتهم الينابيع الملتهبة، حيث توجد الشروخ الأرضية في قاع المحيط، وقد لا حظوا أن المياه العلوية السطحية الباردة تندفع نحو الأسفل بعمق ميل واحد فتقترب من الحمم البركانية الملتهبة والمنصهرة، فتسخن ثم تندفع محملة بالقاذوراة والمعادن الملتهبة، وتأكد العلماء أن هذه الظاهرة في كل البحار والمحيطات تكثر في مكان وتقل في مكان آخر، وإن البراكين في قيعان المحيطات أكثر عدداً، وأعنف نشاطاً من البراكين على سطح اليابسة، وهي تمتد على طول قيعان المحيطات، والمبهر في هذه الصياغة المعجزة "وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور" أنه نظراً لعدم وجود الأوكسجين في قاع البحر لا يمكن للحمم البركانية المندفعة عبر صدوع قاع المحيط أن تكون مشبعة على طول خط الصدع، ولكنها عادة ما تكون داكنة السواد، شديدة الحرارة، ودون اشتعال مباشر، حيث تشبه صاجة قاع الفرن البلدي، إذا أحمي أسفل منها بأي وقود فإنها تسخن سخونة عالية تمكن من خبز العجين عليها، وهذا القصد اللغوي تماماً للفظ "المسجور" ولا يوجد كلمة يمكن أن تحل محلها وتدل على المعنى بدقة.