أدت سياسة التهويد والإجلاء والتطهير العرقي والإثني التي مارستها -ولا تزال- سلطات الاحتلال الإسرائيلي في عموم الأرض الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 ومدينة القدس ومحيطها بشكل خاص، بدءا من اجتياح عدد من المؤسسات الدينية المسيحية (والإسلامية أيضا) كدير الآباء البنديكت في جبل الزيتون في القدس باعتباره أول دير احتله الإسرائيليون، إلى حدوث تراجع مضطرد في أعداد المسيحيين الفلسطينيين، في حين لوحظ هبوط حضورهم في المدينة المقدسة التي باتت سلطات الاحتلال تريدها مدينة بلا مؤمنين من أبنائها من المواطنين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، في سياق العملية الاستعمارية الإجلائية التهويدية. التناقص المريع وسياسات الاحتلال التناقص المريع والمخيف في أعداد المسيحيين العرب الفلسطينيين في القدس يعزى إلى هجرة الكثيرين منهم بفعل معاناة الشعب الفلسطيني بعد حربي 1948 و1967، إضافة إلى المعاناة الكبرى التي يواجهها الشعب الفلسطيني بمجمله وبجميع طوائفه من سياسات الاحتلال. إن التناقص المريع والمخيف في أعداد المسيحيين العرب الفلسطينيين في القدس يعزى إلى هجرة الكثيرين منهم بفعل معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة في مواجهة الغزو الصهيوني وخصوصا بعد حربي 1948 و1967، إضافة إلى المعاناة الكبرى التي يواجهها الشعب الفلسطيني بمجمله وبجميع طوائفه من سياسات الاحتلال، إضافة لذلك فإن خصوصية الإجراءات التعسفية الإسرائيلية الصهيونية القمعية ضد أبناء القدس جعلت من ظروف الحياة داخل المدينة صعبة وقاسية، حيث عملت سلطات الاحتلال على تقييد الوجود الفلسطيني في القدس وتعزيز الوجود اليهودي فيها، من خلال اتخاذ إجراءات وتدابير تشريعية تجعل من المواطنة الفلسطينية والوجود في القدس أمرا هشا يسهل فقدانه، فبعد ضم القدس وما ترتب عليه من إجراءات وتشريعات استثنى منها السكان العرب، ومنذ البداية حددت سلطات الاحتلال الوضع القانوني للوجود الفلسطيني في القدس على أنه وضع "مقيم دائم" طبقا لما يسمى قانون الدخول الصهيوني (الجائر) إلى فلسطينالمحتلة لعام 1953 الذي أصبح المرجعية القانونية لتنظيم الإقامة الفلسطينية في القدس، واستنادا لهذا القانون يمكن للفلسطيني أن يخسر وضع المقيم الدائم في حالات ثبوت إقامته خارج مناطق 1948 بما في ذلك القدس لمدة سبع سنوات وأكثر، أو الحصول على إقامة دائمة في دولة ثانية أو الحصول على جنسية ثانية، ونتيجة مباشرة لما سبق تم سحب الهوية المقدسية من آلاف المواطنين المقدسيين الذين كانوا خارج الوطن بغرض الدراسة والعمل، والأمر ذاته ينطبق على آلاف المواطنين المقدسيين المقيمين في الضفة الغربية على اعتبار أنهم مقيمون في بلد أجنبي لمدة أكثر من سبع سنوات، تضاف إلى الإجراءات السابقة، السياسات الإسرائيلية المتعلقة بجمع شمل الأزواج والزوجات، حيث يخضع هذا الأمر لتعقيدات عدة تحول دون الحصول عليه إلا بحدود ضيقة وبصعوبة هائلة، إضافة لخنق التوسع العمراني الفلسطيني، حيث تعاملت سلطات الاحتلال على صعيد التنظيم الهيكلي بطريقة تحد من التوسع العمراني الفلسطيني، وفي المقابل تعزز البناء والاستيطان اليهودي، فمثلا لم يتم وضع مخطط هيكلي للأحياء العربية، وتم تصنيف الأراضي التي يملكها فلسطينيون خارج أسوار المدينة إلى مناطق خضراء ومناطق أثرية، لا يسمح بالبناء عليها، وذلك كأسلوب لحجز الأراضي في انتظار استغلالها للبناء الاستيطاني في وقت لاحق، ومثال ذلك المنطقة الجبلية إلى الغرب من شعفاط وجبل أبوغنيم حيث منع البناء الفلسطيني عليها وتمت إعادة تصنيفها بعد نزع ملكيتها الفلسطينية وجرى استخدامها للبناء الاستيطاني اليهودي، يضاف إلى ذلك أوامر الهدم وعدم الموافقة على ترميم البيوت والمنازل السكنية العربية والتقليل إلى حد كبير من إعطاء رخص البناء العربية. المسيحيون الفلسطينيون في المشروع الفلسطيني وفي هذا السياق، كانت المؤسسات والشخصيات والفعاليات العربية الأرثوذكسية في مناطق السلطة الفلسطينية وداخل الخط الأخضر عقدت اجتماعا طارئا في مقر الجمعية الأرثوذكسية في مدينة بيت ساحور في أوت 2009 بدعوة من مجلس المؤسسات العربية الأرثوذكسية للتباحث حول ما آلت إليه الأمور داخل البطريركية الأرثوذكسية والأخبار المتواترة عن صفقات بيع وتأجير طويل الأمد، تقوم بها البطريركية والتي كان آخرها الصفقة التي عقدت بين البطريركية وشركة إسرائيلية على طريق بيت لحم-مار الياس، حيث رأى المجتمعون فيها مدخلا لإطباق الحزام الاستيطاني على مدينة القدس، وقد أكّد المجتمعون بالإجماع على إدانة وتجريم أية صفقات عقدها ويعقدها البطريرك والمجمع المقدس، وأكدوا تمسّكهم بهذه الأوقاف باعتبارها إرث الآباء والأجداد وباعتبارها جزءا من الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني تحت شعار المحافظة على ما تبقى من أوقاف واسترداد ما جرى تسريبه. برز من بين صفوف المسيحيين الفلسطينيين قادة تركوا بصماتهم في مسار الكفاح الفلسطيني، كالدكتور «جورج حبش»، ومنهم من لقي ربّه كالفقيد «إدوارد سعيد» والدكتور «وديع حداد»، ومنهم من يواصل قتاله من الداخل كالمطران «عطا الله حنا» ومن الخارج كالمطران «أبو العسل وكبوجي»، وفي هذا المسار من الكفاح المتواصل لدعم صمود المواطنين الفلسطينيين المقدسيين من مسلمين ومسيحيين، لا بد من الإشارة أيضا إلى الدور الريادي للمسيحيين الفلسطينيين في المشروع الوطني الفلسطيني، حيث يتكامل الدور الوطني للمسيحيين الفلسطينيين مع إخوانهم المسلمين، إذ أدركت الكنائس المسيحية المختلفة في القدس وعموم فلسطين أن أبناءها مستهدفون كغيرهم من المواطنين الفلسطينيين، فاتخذت هذه الكنائس (الفاتيكان والمرجعيات الأرثوذكسية والإنجيلية) مواقف وطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي.