الأيام الجزائرية بروكسل ( وكالات): وقع الاختيار على "هرمان فون رومبوي" ليصبح أول رئيس للاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه بعد أن أنسحب "توني بلير" من المنافسة على أهم مقعد إثر صفقة يتم بموجبها اختيار البريطانية "كاثرين أشتون" لتولي منصب رئيسة الدبلوماسية الأوروبية. وبسبب الانقسامات التي برزت في الأيام الأخيرة بين البلدان الأوروبية، بدا اختيار رئيس وزراء بلجيكا "رومبوي" صعبا، لكنه جرى بطريقة أسهل مما كان متوقعا في نهاية المطاف بسبب الدعم القوي الذي تلقاه من فرنسا وألمانيا. واعتبر رئيس الوزراء السويدي "فريدريك رينفيلت" أن "رمبوي" "سيكون رئيسا ممتازا". وقال الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي"، "لطالما أمنت بضرورة اختيار رئيس قوي"، مشيرا إلى أن "حلولا أخرى" كانت مطروحة "ولاسيما منها اختيار "توني بلير". وأضاف "لكني مقتنع بأن "هرمان فون رومبوي" قادر على التفاوض وسيحمل بفخر لواء أوروبا". وقال "لم يقع اختيارنا عليه لتعذر إيجاد بديل". وكان الهدف الأساسي لمعاهدة لشبونة التي أنشأت منصب رئيس المجلس الأوروبي، أن يتيح لأوروبا عبر هذا المنصب إسماع صوتها عاليا على المسرح الدولي في مواجهة الولاياتالمتحدة والقوى الناشئة. ورحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعيين أول رئيس للاتحاد الأوروبي وقال أن ذلك سيجعل أوروبا "شريكا أقوى" للولايات المتحدةالأمريكية. وكان البيت الأبيض أشاد باختيار الاتحاد الأوروبي البلجيكي "هارمان فان رومبوي" لرئاسته، والبريطانية "كاثرين اشتون" ممثلة عليا لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، ورأى فيه مؤشرا واعدا لشراكة معززة بين أوروبا والولاياتالمتحدة. واضاف البيت الابيض ان "الولاياتالمتحدة لا تملك شريكا أقوى من أوروبا في مجال النهوض بالأمن والازدهار في العالم". وذكرت "البي بي سي" أن "توني بلير" انسحب من السباق على رئاسة الاتحاد، بعدما حصل خلفه "غوردون براون" على ضمانات من أجل تعيين المفوضة الأوروبية لشؤون التجارة البارونة أشتون رئيسة للدبلوماسية الأوروبية. وحاولت الدول الأعضاء التوصل إلى توازن في اختيار المرشحين، بحيث يكون أحدهما من إحدى الدول الكبرى في الاتحاد والمرشح الآخر من دولة صغرى. لكن المسؤولين الأوروبيين الذين اختاروا شخصيتين غير معروفتين حتى في أوروبا نفسها، قللا على ما يبدو من طموحاتهم. واعتبر الخضر في البرلمان الأوروبي أن الدول الكبرى ستبقى هي المهيمنة على أوروبا. وقال رئيس كتلة الخضر في البرلمان "دانييل كوهين-بيندي" أن "أوروبا وصلت الحضيض ".." وبعد أن عينت رئيسا ضعيفا للمفوضية الأوروبية "جوزي مانويل باروزو" عين قادة الدول رئيسا باهتا للمجلس وممثلة عليا لا وزن لها". وسيستبدل فان رومبوي "62 عاما" من خلال رئاسته الثابتة لمدة سنتين ونصف السنة والقابلة للتجديد مرة واحدة، النظام الراهن للرئاسة الدورية كل ستة أشهر الذي يفسح لجميع البلدان في المجال لترؤس الاتحاد. ويرأس فان رومبوي المسيحي-الديمقراطي الفلامندي، الحكومة البلجيكية منذ اقل من سنة. وقد اشتهر في بلاده بالقدرة على التوصل إلى تسوية بين مختلف المجموعات اللغوية. لكن آراءه حول المسائل الأوروبية ما زالت غير معروفة. وفي تصريحه الأول الخميس، أكد على ضرورة أن تضطلع أوروبا ب "دور كبير" في العالم، لكنه رسم صورة متواضعة جدا عن منصبه. وقال انه يريد أن يبقى "متكتما" وينصرف إلى الاضطلاع بدور يسهل التوصل إلى تسويات بين البلدان. ويعتبر "فان رومبوي" من أنصار النظام الاتحادي الأوروبي. فقد طرح الاسبوع الماضي فكرة فرض ضريبة أوروبية لتغذية ميزانية الاتحاد الأوروبية، فسارعت الصحافة البريطاينة التي تنتقد الاتحاد الأوروبي، إلى توجيه النقد اللاذع له. وأثار اختيار "كاثرين اشتون" الدهشة، لأنها حديثة العهد في المجال السياسي. وهي تشغل اليوم منصب المفوضة الأوروبية البريطانية المسؤولة عن الملفات التجارية غير انها قالت الخميس "انا لا ازعم اني خبيرة" لكن "احكموا علي من خلال أفعالي". وقد استفادت "اشتون" على ما يبدو من عاملين: الرغبة في تعيين احد رعايا التاج البريطاني لارسال "اشارة" ايجابية إلى بريطانيا، فيما تلوح في الأفق عودة المحافظين البريطانيين إلى الحكم في ربيع 2010. واختيرت ايضا لأن عددا كبيرا من البلدان اراد تعيين امرأة في هذا المنصب. من هذا الحكيم الذي سيقود أوروبا؟ يصفونه في بلاده بأنه أستاذ الصفقات السرية، إنه "هرمان فان رومبي" رئيس وزراء بلجيكا البالغ من العمر 62 عاما، السياسي والفيلسوف والشاعر الذي يكتب القصائد باللغة الهولندية لكن بأسلوب ال "هايكو"الياباني. ولد في بروكسل عام 1947 وكانت الحرب قد أتت على المدينة تماما، وتخصص في الدراسات الكلاسيكية في المدرسة قبل أن ينال درجته الجامعية في الاقتصاد من جامعة لوفين ،اعرق الجامعات البلجيكية. بعد تخرجه من الجامعة أصبح نائب قائد جناح الشباب في الحزب الديمقراطي المسيحي الهولندي حيث حاز شهرة واسعة كوسيط مفاوضات قوي، وارتقي سلم المناصب الحزبية علي نحو سريع ليتولى في النهاية التفاوض بالنيابة عن حزبه خلال تشكيل تسع ائتلافات حكومية خلال الفترة من 1980 وحتى 2008 . أحب هيرمان أسلوب الهايكو الياباني في كتابة القصائد وهو بناء شعري قوي يتألف من ثلاثة اسطر تتكون من خمسة مقاطع ثم سبعة ثم خمسة. "رذاذ مياه ينتظر الدفء كي يتبخر وتصبح المياه سحبا". كانت تلك مقاطع من إحدى قصائده التي كتبها ونشرت في وقت سابق هذا الشهر بإحدى الصحف البلجيكية اليومية البارزة. إلى جانب تاريخه كسياسي محنك، اشتهر فان رومبي أيضا كمؤلف للكتب الدينية والفلسفية مثل "العالم المسيحي :فكر معاصر"عام 1990 ، و"البحث عن الحكمة" عام 2007. ولم يتضح ما إذا كان بحثه عن الحكمة قد أثمر أم لا، لكنه عين في نهاية العام الماضي رئيسا لوزراء بلجيكا، في مسعى لإنهاء نزاع مسموم بين الأغلبية الناطقة بالهولندية والأقلية الناطقة بالفرنسية. وقال المعلقون من جانبي ذلك الانقسام اللغوي، إنه أحرز نجاحا مذهلا خلال الأحد عشر شهرا المنصرمة في إعادة الفصائل المتناحرة لطاولة المفاوضات مرة ثانية. وقال مؤيدوه في السباق لرئاسة الاتحاد الأوروبي إن خبراته تجعل منه المرشح المثالي للمنصب ، فالمهمة الجديدة تركز على محاولة إيجاد حالة من الاتفاق بين أعضاء التكتل الأوروبي الذي اشتهر باختلاف وجهات نظر أطرافه. غير أن معارضيه يقولون إن الرجل لم يتول زمام الأمور في بلاده أكثر من 11 شهرا، حيث كانت أسوأ الأزمات الدبلوماسية التي عاصرها هي ذلك الخلاف مع هولندا حول جرف قاع مصب نهر شيلت الذي يمر عبر مرفأ بلجيكا الرئيسي في أنتويرب. لكن إذا نظرنا لقادة التكتل الأوروبي ودوله السبع والعشرين نجد أن ستة منهم فقط شغلوا منصب رئيس الحكومة في بلادهم. وهذا ما حذا بالنقاد للقول بأن قادة الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا تحديدا هم من دعموه، فالرجل يفتقد للخبرة أو ما يطلق عليه نجومية القيادة ، ومن ثم فلن تطغى صورته عليهم كقادة لبلدانهم.