يعود المخرج رشيد بن حاج في فيلمه "عطور الجزائر" الذي عرض مساء أول أمس لأول مرة ب«قاعة ابن زيدون" في العاصمة، بموضوع جزائري بعد تجوال متنوع في أعمال حملت قصص وهموم الآخرين كما في فيلم "ميركا" وفيلمه الأخير "الخبز الحافي". ويتطرق مخرج وكاتب "سيناريو" الفيلم في هذا العمل؛ إلى مأساة أسرة جزائرية خلال السنوات الدامية للإرهاب من خلال عيون امرأة "كريمة"، وهي مصورة متألقة ذات صيت عالمي تركت الجزائر لأسباب قاهرة. وهنا؛ يحاول المخرج التركيز على خلفيات تلك الفترة العويصة من تاريخ الجزائر الحديثة من خلال مأساة عائلة جزائرية ميسورة تجتمع في أفرادها تناقضات المجتمع وخلافاته، فبين أب متسلط وأم ناكرة؛ يقف الأبناء على ضفتين متباينتين. وكانت "كريمة" عنيدة ومتمردة ومتفتحة، فيتحول "مراد" من شاب متحرر إلى رئيس جماعة مسلحة. ويتغلغل بن حاج عبر عدسة "الكاميرا" في خفايا هذه الأسرة عبر بوابة المرأة، حيث نجد في الفيلم حضورا مميزا للمرأة التي مهما كانت قوية أو مغلوبة على أمرها، إلا أنها تحتل الشاشة بوجودها، خصوصا من خلال "كريمة" التي تؤدي دورها الإيطالية "مونيكا غريتور" بعدما تخلت الممثلة "إيزابيل عجاني" عن أداء الدور وأيضا زوجة الأخ "سامية " التي تؤدي دورها الفنانة ريم تاكوشت، وذلك رغم التباين في الشخصيتين فكرا ومظهرا. ويظهر الفيلم المعاناة النفسية ل«كريمة" التي تهرب من تسلط الأب (سيد أحمد أڤومي) ومن فظاعة الفضيحة التي اكتشفتها داخل الأسرة لكنها رغم إصرارها على نسيان الماضي لم تنجح وبقيت سجينة ذلك الماضي، إذ بمجرد عودتها سنة 1998 إلى الجزائر، تجد نفسها معنية بكل ما يحدث لأسرتها ومن حولها. ومع تطور الأحداث؛ تكشف "الكاميرا" المستور والرموز في حركة المد والجزر بين صور الماضي والحاضر. وفي هذه الجولة المؤلمة عبر خفايا الذاكرة الفردية والجماعية؛ حاول المخرج إثارة الكثير من القضايا في مقدمتها قضية المرأة التي تعمل باستمرار على فرض وجودها ومكانتها في مجتمع كان "يشكو من مشكل حرية التعبير والنزاع بين الأجيال". من ناحية أخرى، تمتع الجمهور إلى جانب الأداء الملفت للممثلة ريم تاكوشت في دور جديد بالنسبة لما قدمته من قبل، بصور جميلة عن الجزائر وقعها مدير التصوير الإيطالي الشهير "فيتوريو ستروراري" الذي ارتبط اسمه بأفلام مثل "نهاية العالم الآن" والفائز بعدة جوائز "أوسكار" وشارك في الأدوار الرئيسية لفيلم "عطور الجزائر" كل من شافية بوذراع وأحمد بن عيسى وعديلة بن ديمراد وعادل جعفري، إلى جانب امحمد بن ڤطاف في دور "سليمان" عم "كريمة". وأعاب كثير من شاهدوا العرض استعمال الفرنسية في الحوار، رغم إمكانية توظيف اللهجة العامية كونها "أصدق في توصيل الرسالة". وسيمثل فيلم "عطور الجزائر" الذي أنتجته الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بمشاركة "نات ديفيزيون" الجزائر في الدورة السادسة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الذي يتواصل إلى غاية العشرين أكتوبر الجاري، إلى جانب فيلم "حرڤة بلوز" لموسى حداد.