لطيفة·ب إن بناء كل دولة قائم على إنجاح جهاز عدالتها وتعزيزها بموضوعية العمل وتأمين المساواة لتمكينها من الارتقاء إلى سلطة بمقومات ذاتية تضمن حصانة فاعلين اثنين أساسيين في هذا القطاع الحيوي وهما القاضي والمحامي اللذان وبالرغم من ···· الأكيد أنّ لا غنى لأحدهما عن الآخر واستقلال كل منهما حماية أكيدة لحرية الإنسان وصونا لحقوقه وركيزة أساسية لحرية المواطن· فإنجاح وتثمين سياسة عصرنة العدالة بالجزائر مرتبط، حسب المختصين، أشد الارتباط بتعزيز موضوعية عمل القضاة، وتأمين المساواة أمام القضاء، وتعزيز ثقة المواطنين به، وتسهيل وصولهم إليه وضمان حقوقهم من خلال تحسين نوعية وجودة الحكم القضائي، ورفع كفاءة الجهاز البشري الداعم للعدالة، وبالتالي تعزيز الثقافة الحقوقية لدى المواطنين· ويتجسد ذلك بضمان حصانة عاملين أساسيين اثنين بهذا القطاع وهما القاضي والمحامي، اللذان لا غنى لأحدهما عن الآخر، وهدف كل منهما حماية أكيدة لحرية الإنسان وصون لحقوقه وركيزة أساسية لحرية الوطن·فإذا كان القاضي هو الواجهة التي تتركز عليها الأضواء في تقييم أداء القضاء، فإن المحامي بدوره يلعب دورا رئيسيا مؤثرا على أدائه وعلى نظام العمل القضائي بشكل عام، بحيث يجوز القول إن تطوير وعصرنة العدالة يقتضي بالضرورة الاهتمام بمهنة القضاء وبمهنة المحاماة على حدّ سواء·فمهنة المحاماة تعتبر رافدا لا غنى عنه لتحقيق ارتقاء جهاز العدالة، فهذه المهنة القديمة في تاريخ الحياة البشرية، فهي مهنة عريقة شرّعت المجتمعات وجودها منذ القدم وتأسست على احترام العدل والقضاء وتعزيزهما والدفاع من أجل تحقيق هدف إعلاء صوت الحق وتحقيق رسالة العدالة من خلال الدفاع عن الحقوق العامة والخاصة للإنسان·وهي تعتبر من ضمن أهم المهن المرتبطة بالمجتمع، فإضافة إلى ضرورة إسهام رجالها في إصلاح هذا القطاع الحيوي وضمان تفعيله بشكل صحيح، فإن المحامي يعتبر المدافع الأساسي عن المواطنين، كونه الوجهة الوحيدة للمظلوم·كما أنّ القضاء رسالة لها قيم وتقاليد ينبغي على القاضي الالتزام بها وتقديرها مع مراعاة الجوانب النفسية والأخلاقية والاجتماعية التي يتعين على القاضي مراعاتها عند التعامل مع نفسه ومع المتقاضين ومع الدفاع، للوصول إلى عدالة أسمى وأنفع·إلاّ أنّ الواقع في أغلب الأحيان يؤكد أن القاضي هو خصم للمحامي أو العكس، فالبرغم من توحّدهما في الملبس المتمثل في الجبة السوداء ودورهما المتكامل في إرساء العدالة فكلاهما رجل قانون، الأول يسهر على تطبيقه والثاني يرافع لأجله·إلا أنّ القاضي في رأي بعض المحامين أصبح يتجنّبهم لأسباب سياسية محضة، ويرون أنّ القاضي ''متكبر'' وينصب نفسه في أعلى هرم للسلطة ويجعل ما حوله أقل شأنا منه، لاسيما بعد الصلاحيات التي بات يخولها له قانون الإجراءات الجزائية الجديد الذي يمنح القاضي صلاحيات عزل المحامي من أداء مهامه بعد إحالته على المجلس التأديبي، وهو القانون المقرر عرضه على طاولة مجلس الوزراء وقبة البرلمان وذلك موازاة مع قانون المحاماة الذي سيتم من خلاله تعديل بعض المواد الخاصة بالانضباط وتحديد العقوبات، وهي الإجراءات نفسها المتضمنة في قانون الإجراءات الجزائية ·تبادل للتهم في قاعةالجلسات ولعل أكثر ما يثر ضغينة المحامي من القاضي هو عدم مبالاة هذا الأخير بمرافعة الدفاع ولا يستمع لما يقوله، فترى القاضي أثناء سيرورة المرافعة ''خارج مجال التغطية''· كما يعيب المحامون على الطريقة التي يعالج بها القاضي القضايا، والتي غالبا ما لا تستوفي جوهر القضية وحقائقها، ويكتفي بعض القضاة عندها بتبني محاضر الضبطية القضائية، وآخرون لا يراعون الحالات الاستعجالية لأنّهم، حسب هؤلاء، فالمحامون هم موظفون يعتمدون على نظام الدوام· والمهمّ يضيفون ''إنّهم لا يتغيبون عن دوامهم''، مما يجعل تحقيق العدالة أمرا صعبا وتتلاشى بذلك علاقة التكامل بين الطرفين·وأجمع بعض المحامين على أن علاقة القاضي بالمحامي هي علاقة جيدة، والمهم أن يتمكن القاضي ويتحكم في تسيير جلسته وتوقيع أحكام عادلة، فدوره متكامل مع المحامي لأنّ كليمهما يسعى لتحقيق العدالة، فإذا كان القاضي يرى في نفسه أنه يمتلك السلطة العقابية بيده فلن يحقق بذلك العدالة وتكون أحكامه دوما قاسية·ضف إلى ذلك أنّ بعض المحامين يرون في أن بعض القضاة يأخذون بعين الاعتبار النقاط القانونية التي يثيرها المحامي، وأن الأمر هو تقصير من القاضي لأن بعض المحامين يتجاوزون حدود السلطة الممنوحة لهم من خلال تقديم مرافعات خارج الأطر القانونية، ومنهم من يستعمل ألفاظا ''شارعية'' لا ترقى إلى مهنة المحاماة، مما يجعل القاضي في حرج وهنا يمكنه أن يتجاوز سلطته للحدّ من مثل هذه التجاوزات الحاصلة لكونه المسؤول عن الحفاظ على نظام الجلسة، وهي الحركات التي يستغلها، حسبهم، بعض القضاة للتقليل من شأن المحامي خاصة إذا ما احتدم الجدل بين هذا الأخير ومسيّر الجلسة الذي سيجد موكل الدفاع طعما للانتقام منه، وهي تجاوزات عكسها الواقع في قضايا أثبت مضمونها أن المتّهم بريء، فتلفق له التهمة لاسيما إذا كانت له سابقة فتجد القاضي يتشبث بموقفه لإدانته انتقاما من الدفاع·وللبعض الآخر نظرة مخالفة عن القاضي، وهم يؤكدون علاقاتهم الوطيدة وصداقاتهم المتينة بهم، إلا أن دورهم كدفاع سواء في حق ضحية أو متّهم فإنهم يدخلون جلسة المحاكمة دون التحري عن مسيّرها أو وكيل الجمهورية المرافق له، فمنهم من أقارب إطارات فعالة بجهاز العدالة إلا أنّهم لا يستغلون هذه العلاقات لصالح موكليهم لأن ذلك مساس فاضح بصرح العدالة، فهم لا يريدون أن يوقعوا القضاة في حرج وذلك راجع لأخلاقيات المهنة الواجب الالتزام بها والتي تفرض على الجميع الاحترام في التعامل مع الغير· فكثيرا ما يعتدي القاضي بكلامه على الدفاع أو موكله إذا استنكر قولا نطق به، فإن استنكار المحامي يولد من كلمة يتلفظ بها جنحة، وهو ما يعتبره هؤلاء ''عبثا''، راجين أن يقول القضاة كلمتهم للحق ولكرامة القضاء·وأجمع عدد من أصحاب الجبة السوداء على ضرورة التزام كل طرف بحدوده ولا يحق لأحد أن يحظى بأولوية من شأنها المساس بمصداقية العدالة، وكل واحد مطالب بالمساهمة في تطبيق القانون· حذارِ من التعامل مع المحامي·· !! ''حذارِ من المحامي'' هي أول جملة تلقن للقاضي في أولى تعليمة تخص أبجديات مدرسة القضاء، وذلك من باب تحصين القاضي من عواقب قد تنجر عن تماديه في مصاحبة صاحب الجبة السوداء الذي يعدّ خصما ''خطيرا'' له· ''البلاد'' التي تمكنت من اختراق تحفّظ القضاء لتكشف عن وجهة نظر القاضي تجاه المحامي، وبالرغم من اعتبار عدد من القضاة أن المحامي هو بالدرجة الأولى مساعد للقاضي في تحقيق العدالة في إطار دفاعه عن موكله، لكن للأسف، حسبهم، فإن بعض المحامين يتاجرون في المهنة بحثا عن المال، وهو ما بات يتعب القاضي في تحقيق مرامي مهنته، فمنهم من يسعى لتضليل العدالة ومنهم من يرافع بعيدا عن الأطر القانونية يقينا منه أن قضيته من بدايتها خاسرة فيريد افتعال أي واقعة من أجل الدفاع عن موقفه الحرج، فضلا عن تبني بعضهم كلام الشارع لتعزيز مرافعته· فأغلب مرافعات المحامين، على حد قول أحد القضاة، ليست قانونية، فمنهم من يبنيها على انتقاده قاضي التحقيق بحجة أنه لم يفرز الملفات المطروحة بشكل دقيق وممعن، أو على وكيل الجمهورية على أساس أنه لم يحسن توجيه الاتهام أو حتى مصالح الضبطية القضائية·فالأصل، حسب محدثينا، أن تكون علاقة القاضي بالمحامي علاقة زمالة بعيدا عن كافة التوترات، وإلا فسوف يتحول الأمر من البحث عن الحقيقة وتحقيق العدالة إلى صراع يحتدم بين القاضي والمحامي ينتهي بتصفية حسابات بينهما، ليقع موكل الدفاع ضحيتهما، كما أدى إلى إحالة عدد من المحامين على المحاكمة لأنهم أهانوا قضاة داخل الجلسة وتجاوزا صلاحياتهم كدفاع· فإذا أراد المحامي أن يقول ''كلا'' للقاضي أو وكيل الجمهورية، يقولها أو يجد له طريقا لمنع هيئة المحكمة من التكلم أو يحاول إلزامهم بالسير على رأيه·ويرجع أحد القضاة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن نقص مدة تكوين المحامي عامل يؤثر سلبا على مهنته وأدائه فيكون بذلك غير كفء وغير أهل لمهنته· كما أشار محدثنا إلى أن الخطأ أحيانا يكون من القاضي إذ تارة ينحاز لمرافعة الدفاع مع أن الملف المطروح أمامه صريح، وهو ما لا ينبغي أن يحصل لأن القانون الأساسي للقضاء يلزم القاضي الحياد وأن يكون نزيها ولا يتأثر بأي طرف من طرفي الخصام، سواء كان من ذوي النفوذ أو من معارف المحامي أو له وساطات·· وغيرها· فمن واجبات القاضي أو وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق بحكم مسؤوليتهم في تطبيق القانون لا بدّ أن تنحصر في مبادئ العدالة· فهناك قضاة، حسب مصادرنا، يتأثرون بالإملاءات المطروحة عليهم ف''الناس معادن'' والقاضي بشر· قد يكون المحامي مقيما بجواره أو زميلا له وبذلك ينحاز لموكله، وهي وقائع شهدها الواقع مما أدى إلى إقصاء كل مذنب من مهامه أو تسليط عليه عقوبة إدارية إخلالا منه بواجبه وبالتحفظ على مهنته· ويبقى أن نختم به هو أن للقاضي والمحامي دورا متكاملا ومتجانسا لإرساء العدالة وعصرنتها ببلادنا والحفاظ على حق المظلوم ومعاقبة الظالم، فجاءت مقولة الإمبراطور الروماني ''جسستنيان'' في مدوّنته، لتؤكّد أنّ ''العدل هو حمل النفس على إيتاء كل ذي حق حقه والتزام ذلك على وجه الدوام والاستمرار''·