ظاهرة عمالة الأطفال ماضية في الانتشار. الكل يعي ذلك جيدا، إن أبنائنا يعملون وهم لم يتجاوزوا السن القانونية. لا يزال غبار الطبشور في أياديهم الصغيرة الوالدان لم يصبحا الحاضر الغائب، بمعنى أنهم يدركون جيدا أن طفلهم يعمل، بل في نظرهم عليه أن يعمل لأن جيوبهم لا تسمح بأن يكون طفلا عاديا، بل عليه أن يكون طفلا كبيرا راشدا مسؤولا، لأنه ببساطة طفل فقير بيع السجائر، الأكياس البلاستيكية، العمل في مصانع الأحذية صبي حداد والصبا تدوسه باحتقار نعال الكبار، نحن الكبار الطفل يعمل؟ وما الغرابة في ذلك ؟!! هذا ما يقوله أولياءهم.. إنهم لا يستغربون لماذا يعمل أولادهم في تلك السن المبكرة، لأنهم هم من يدفعونهم للعمل بسكوتهم على العمل مرات كثيرة. إنهم عاجزون عن إطعام عشرات الأفواه الجائعة المفتوحة التي تنتظر فقط خبز الوالد وتجنبه خيبة الأمل وعسر الحال. قد يكون للأولياء مبرر إن هم زجوا بأولادهم في الحياة العملية على اعتبار أنهم عاجزون ماديا، لكن هل يعقل أن يتمادى الوالدان في ذلك بأن يصبح الابن رب العائلة. بأن يصبح الطفل الذي يحن لطفولته هو محرك الأسرة ماديا؟ محمد إسلام، وردية، جعفر هي أسماء لأطفال لم يتجاوزا السن السادسة عشر. لكنهم تجاوزوها في الحياة العملية بكثير.. سنقف عند بوابة حياتهم، معاناتهم تكبدهم لمسؤولية إخوانهم ووالديهم. وهم يحتاجون لمن يكون مسؤولا عنهم. إنهم عينة من أطفال يحتاجون لأن يضربهم والدهم ويربيهم لا لكي يعطوه المال بعد يوم عمل شاق، بالرغم من أن الضرب موجود في حياتهم كثيرا، يريدون أن يضربوا ليحسوا بأن هناك من هو مسؤول عنهم بعيدا عن ضربات صاحب العمل وما أكثرها وأوجعها؟ إنهم يضربون لأنهم صغار ولأن أولياءهم لا يجرؤون على محاسبة رب العمل كلمة “لا" تعني وداعا للعمل. عملت كخادمة فاغتصبها رب العمل!! نبدأها بالإناث، ستنطلق من التفكير الشرقي الذي يقول إن الراجل راجل ولا خوف عليه. سنبدأ الحديث من منطلق عاداتنا وتقاليدنا التي تؤمن بأن لا رقابة على الطفل الذكر، لأنه ذكر والخوف كل الخوف على الأنثى. احبسوها أو أطلقوها وراقبوها ولكن هيهات أن تراقب بنت تعمل في البيوت كخادمة !!.. وردية ابنة ال 15 ربيعا لم تكن تعلم أن تضحياتها في سبيل والديها وإخوتها ستلاقى بهذا الجزاء. بمرارة كبيرة وأسى وحزن عميقين، تروي قصتها، هي ابنة عائلة فقيرة توقفت عن الدراسة في السنة السادسة لأن الحالة المادية لأسرتها لم تسمح لهم بضمان إتمام تمدرسها أو حتى مجرد إطعامها. كانت والدتها تعمل كخادمة في البيوت لتأمين معيشة أبنائها الستة، لاسيما وأن الزوج مقعد يعيل عائلته بأضعف الإيمان. منحة التقاعد!! التي لا تغنى من جوع، ولأن الحياة تتطلب أكثر من معمل لاسيما إذا كان الراتب متواضع أو محدود جدا. كان لابد لوالدة وردية أن تترجى صاحبة العمل بأن تجد لابنتها وردية عملا. وكان لها ذلك إذ أصبحت وردية الطفلة الشقية خادمة في بيت الجارة. كانت “قافزة" لدرجة أنها أضحت محل إعجاب ربة المنزل لاسيما وأنها بشوشة وتروي بطلاقة قصص الجارات التي كانت تسمعها من أمها. إن أمها لم تكن لتحفظ أسرار البيوت التي اشتغلت لديها وكذلك كانت وردية. وكانت ربة العمل تغتبط بما تحكيه من أسرار الجارات، خلافاتهن مع أزواجهن ومشاكلهن اليومية. إنه المجال الذي تعشقه وللأسف أغلب ربات البيوت. ولم تكن ربة البيت الذي تعمل فيه وردية تجد بدا في مغادرة البيت وترك وردية بمفردها مع زوجها، إن زوجها يبدو للوهلة الأولى رجلا متحضرا زاهدا مترفعا لا يمكن أن يشغل نفسه بخادمة، لكن هيهات أن تبقى غرائزه نائمة وهو يرى مراهقة يافعة ممشوقة تضحك وتلعب وقد تعدت زوجته سن اليأس. إنها ليست قصة من وحي المسلسلات.. هي واقعة لا يزال ملفها لدى المحكمة لم يفصل فيه القضاء بعد. ماذا يفعل هذا الزاهد؟!! انتظر مغادرة زوجته وأضحى يراودها عن نفسها. في البداية كان يقول لها “دلكيلي ظهري" كانت لا تجد بدأ في القيام بذلك فلطالما دلكت ظهر والدها المقعد، لكنه كان يحس بلذته الحيوانية تتحرك كلما قامت بذلك وأصبح الدلك يطال جسدها بعد أن أشعرها بأنه أشفق عليها من الأعمال الشاقة ويعمل على إراحتها بدلك ظهرها. وفي إحدى جلسات التدليك التي كانت تستهوي هذا الزاهد المراهق! اغتصبها نعم اغتصبها ! وحين اشتكته لزوجته طردتها واتهمتها بالعاهرة عديمة الأخلاق وبرأت زوجها الذي بقي في نظرها المترفع الخلوق وشهد الجيران على شيء لم يروه.. القضية في المحاكم ووردية في كوخها يائسة أمام والدها المقعد، وقد عرفت أخيرا أنها قد فقدت آخر أمل لها في أن تخرج من حياة الفقر التي كان قد ينفذها منها الزواج الذي لا مجال بعد الآن للحديث عنه إلا بمعجزة لأنها ليست عذراء!! رجوت أن أصبح صاحب ورشة لكني أصبحت معوقا محمد بدأ العمل في سن ال 14 سنة لم يكن والداه يرغبان في أن يكتسب حرفة، بل لأن يكسب قرشا هي الحقيقة التي يرفض أهله الاعتراف بها. والده الذي الذي رغم فقره لم يجد بدا في الزواج مرة أخرى ليترك زوجته الأولى تعاني الويل حتى إن دعاوى النفقة التي ترفعها الزوجات لا تجد استجابة فورية من قبل العدالة إلا بعد سنوات، هذا إذا كانت هناك استجابة. وماذا تفعل النساء في تلك السنوات؟!! العمل كخادمات وهذا ما رفضه محمد. لقد طلق الحياة الدراسية رغم أنه كان مجتهدا. لكنه ودع المدرسة والمحفظة، المئزر حتى لا تعمل أمه في بيوت النساء ، عمل الصبي نجارا.. كان في البداية يساعده في أشياء بسيطة كمده بالمسامير والألواح. ونظرا لذكائه استطاع أن يتعلم أشياء كثيرة عن حرفة النجارة في وقت قياسي، الأمر الذي دفع بالنجار لإشراكه في أمور ورشته وصناعة الأثاث. وذات يوم بينما كان بصدد نشر الألواح في آلة حادة. شاء القدر أن حادت اللوحة عن مسارها لتتخذ الآلة من يده هدفها. لم يستيقظ إلا على صوت الطبيب وهو يقول أحمد الله جاتك في يدك وما داتلكش ذراعك كله، بكى محمد لا لأنه فقد يده بل لانه لن يستطيع بعد اليوم إعالة عائلته حتى أن النجار الذي كان بعمل لديه لن يرحمه لأنه لم يكن مؤمنا. ماتت وهي ترعى ماتت لأنها كانت ترعى بعيدا عن بيتها بإحدى ضواحي مدينة عين بوسيف جنوبي المدية.. ماتت وكانت تتوق لامتلاك دمية تحلم بأن تخيط لها أثوابها.. وهي ترعى ماتت ولم يعلموا لحد اليوم سبب وفاتها. جميلة صاحبة الثماني سنوات كانت ترعى الغنم حين سرقت منها حياتها والدها يوصيها على الدوام باليقظة والحذر خوفا من سرقة إحدى الشياه لكنه نسي أن يوصيها على نفسها وأن يقول لها ولو ليوم واحد “ردي بالك على روحك" لم تجد من يحميها. وجاءت محملة على ظهر حمار وعلى ظهره ماتت. عمالة الأطفال.. من يحاسب من؟؟ هو سؤال محير.. الإجابة عليه صعبة. لا تستغربوا إنه فعلا محير. فإذا عملنا بمنطق الشعارات التي تتبناها منظمة اليونيسيف فإنها تجرم عمل الأطفال دون السن القانوني. نجد أنها جريمة أن يدفع الأولياء بأبنائهم غصبا إلى العمل، لكن الأولياء قد يجدون ألف مبرر في غالبية الأحيان، لست قاسيا.. يقول والد جعفر “بعثت ابني للعمل في ورشة نجار يملكها صاحبي ليست عيبا أو خطا. على الأقل نضمن العيش لأخواته". أطفالنا أصبحوا كبارا رغما عنهم… لأننا أصبحنا نحن الكبار مقزمين، إذ حملناهم مسؤولية شقائنا. فهل هو زمن تبادل المناصب؟؟؟