تغيرت معالم مهنة الخادمة على أيامنا وأيضا مقاييسها، فالخادمة في المؤسسات، يجب أن يتوفر فيها مظهر معين لا يدعك تتخيل ولو للحظة أنها عاملة نظافة، لكن مهنة الخدمة في البيوت لم تتغير كثيرا في ظل وجود بعض ربات البيوت المتسلطات أو خادمات ينتهكن حرمات البيوت ولا يعرفن معنى للأمانة. تدفع الظروف القاسية للحياة اليوم الكثير من النساء للجوء إلى خدمة البيوت، فكم من امرأة تركها زوجها أرملة وأخرى يعاني مرضا عضالا أقعده الفراش، أجبرت على ممارسة هذه المهنة مكرهة، فتدخل تلك النسوة على أساس خادمات لكن سرعان ما يتحول الأمر إلى استغلال بشع واضطهاد تتفنن فيه ربات البيوت اللائي لا يتقن سوى الأوامر، متخيلات أنفسهن أميرات أو زوجات بشاوات فهن منشغلات بتعلم اللغات لكثرة سفرهن إلى الخارج وتعلم السياقة والتسوق، ومحاربتهن للشيخوخة. وإذا كان اكتساب خادمة ضروريا لدى الكثير من النساء المتزوجات اللائي يشتغلن في الوظيف العمومي أو لدى الخواص، فإن انسحابها من العمل البيتي الكامل ليس مبرَّرا، وهذا ما أصبحنا نلحظه اليوم في بعض الأسر الجزائرية أو بالأحرى معظمها والتي كانت ولا زالت لا يحلو لها الأكل إلا ب ''الكسرة أو المطلوع'' ولا تحلو لها الأعياد والمناسبات الدينية إلا بالرشتة والشخشوخة التي تقضي ربة البيت ساعات في تحضيرها وترفض أن تقتنيها جاهزة، ولكنها الآن صارت توفرها باختيار خادمات لا يتقن الغسل والكي والتنظيف فقط بل الطبخ التقليدي وتحضير الأكلات الشعبية. جيل تربية الخادمات لا تتوقف الظاهرة عند حدودها في الوقت الراهن وإنما يمتد أثرها إلى المستقبل المتمثل في الأبناء، فيرى الأخصائيون النفسانيون أن 70٪ من مشكلات الأطفال ترجع لاعتماد الأسرة على خادمة في التربية وتراجع دور الأم وتخليها عن مسؤولياتها، فالطفل الذي يأكل من أيدي غير أيدي أمه ولا تنظف ملابسه وغرفته أمه ولا تحرص على مراجعة دروسه، يجد نفسه في حاجة إلى حنان الأم الكامل التي تحتضنه منذ ولادته وتعيش معه مسراته وأحزانه وهذا ما يهدد مجتمعنا اليوم، فالاعتماد الكلي على الخادمة يهدد العلاقة بين الأم وأبنائها وخاصة إذا كانت شخصية الخادمة قوية أو كانت امرأة حساسة يحبها الأولاد ويتعلقون بها، فالأم هنا لا تفقد وظيفتها الأولى في القيام بشؤون البيت فقط وإنما دورها الأمومي. ويحذر الأخصائيون من أن مرض التوحد وميل الطفل إلى العزلة والانزواء، يحتل قائمة الأعْراض المرضية للأطفال، ويعزى ذلك إلى النقص في الحنان وتشتتث الطفل نفسانيا بين الأم والمربية اللتين تختلفان كثيرا في ثقافتيهما. تجاوزات بعض الخادمات..السرقة.. وأشياء أخرى إذا كان دخول بعض الخادمات إلى العائلات بهدف الاستزراق وضمان القوت فهناك أخريات من كانت أهدافهن أوسع وأكبر، وخصوصا إذا عملن لدى عائلات جد غنية تعيش بذخا غير عادي، كأن يصرفوا على قططهم وكلابهم أكثر مما يرصفونه على الخادمة، وهو ما يجعلها تلجأ إلى السرقة. فتتفانى في العمل حتى تكسب ثقة ربات البيوت وما إن تحصل على هذه الثقة وتطلع أكثر على أسرار البيت، تبدأ في تنفيذ خططها بالسرقة، فمنها من وصلت إلى المحاكم ومنها عملية سرقة قامت بها سيدة تبلغ من العمر 29 سنة في حق عائلة كانت تبحث عن خادمة تتولى القيام بأعمال المنزل، حيث تقدمت بصفة أنها يتيمة الأبوين وتحتاج إلى المال وتم تشغيلها كخادمة مقابل مبلغ مالي شهري، وبعد فترة على توظيفها وكسبها ثقة الجميع قامت بتنفيذ خطتها بسرقة المال الذي كان موجودا في المنزل والمقدر بخمسة ملايين سنتيم ولحسن حظ العائلة لم يكن المبلغ كبيرا. وإذا تعددت الأساليب فالهدف واحد، وهو السرقة لدى الكثير منهن وهو ما حدث لأحد البيوت بطلتهخادمة في الثلاثين من العمر استعانت بلص محترف لسرقة 40 مليون سنتيم من المجوهرات ملك لعجوز أشفقت وأحسنت إليها فاتخذتها خادمة تعينها في شؤون منزلها، لكن الخادمة لم تراع خير العجوز والثقة التي وضعتها فيها. وكانت عقوبتها 5 سنوات سجنا نافذا أدانتها بها محكمة الحراش. الفراغ القانوني إن المشرع الجزائري لم ينظم وضعية الخادمة في البيت على أساس أنه لا توجد هناك مرجعية قانونية لتحديد الواجبات والمسؤوليات، فيدعو بعض المحامين إلى ضرورة إعداد قانون يحمي خادمات البيوت لأن القانون المدني وقانون العمل لا يحتويان على مواد صريحة تنص على هذا النشاط ولا يحدد العلاقة بين الخادمة والعائلة التي تشتغل عندها. يقول المحامي زرارة علي في هذا الشأن إنه لا توجد عائلة تعترف بهذه الخادمة فتسجلها لدى مصالح الضمان الاجتماعي والتأمين، وبالتالي لا يطبق عليها قانون العمل، ويضيف ''أنه لو تعرضت واحدة منهن للضرب أو محاولة التحرش فليس بإمكانها وضع شكواها ضد صاحب المنزل''. وهو يحرص على ضرورة بحث المشرع الجزائري على نص صريح لتحديد هذه العلاقة، فحماية خادمات البيوت حماية لصاحب المنزل. خادمات بالأمس ربات للبيوت اليوم لم تعد الخادمة تلك المرأة البسيطة التي تبحث عن لقمة عيشها حيث وجدت بمظهرها البسيط والمتواضع، بل أصبحت تعتني بمظهرها وزينتها داخل حرمة تلك العائلة دون أي خجل، وإذا تميزت تلك الخدامة بخفة الروح والظل فإنها تؤدي إلى نسف تلك العائلة بأكملها ولا مجال في ذلك، وهو ما حدث لإحدى الطبيبات بالحراش عندما اكتشفت بعد عودتها المفاجئة للبيت تواجد الخادمة على فراشها بين أحضان زوجها، وكانت النهاية أبشع مما تصورت فبعد طلب الطلاق من زوجها يقدم ذلك الزوج على الزواج من تلك الخادمة بكل بساطة