حتى قبل أن يلفظ شكري بلعيد آخر أنفاسه.. ويرحل إلى الضفة الأخرى ليلقى ربه.. كانت التهمة جاهزة.. والمتهم موصوفا.. والمستفيدون من موت الآخرين على أهبة الاستعداد لتوجيه أصبع الاتهام. رد راشد الغنوشي.. بأن اتهام النهضة “ابتزاز رخيص واستغلال دنيء لدماء شكري بلعيد”.. وإن من سقطوا أمام الصندوق “يعتقدون أن الثورات تصنع بالسيناريوهات، وأن هناك بوعزيزي جديدا هو شكري بلعيد، وأن هناك بن علي جديدا هو الغنوشي، فلتقم الثورة “. وبهذا المعنى.. يبدو أن إسلاميي تونس من أمثال النهضة.. قد استوعبوا الدرس الجزائري جيدا.. وفهموا أن اللعبة أكبر من شكري بلعيد.. وأعمق من ضجيج الشارع وتأبينات المقابر.. لذا أعلنوا أنهم “متمسكون بمبدأ الاعتدال ورفض التطرف والغلو، مهما كانت الجهة التي تتبنى هذا الأسلوب”. *** قد يأتي الخطر من الداخل.. محاولة تفجير مدروسة.. وفي هذه الحالة تواجه النهضة تمرد أمينها العام “رئيس الحكومة” .. الذي يتصرف وكأنه لا ينتمي للنهضة.. ويعتبر قراره بصرف الإسلاميين من الحكومة “غير قابل للتعديل”. وقد يتمثل في ضغط اقتصادي.. تبادر به جهات دولية متواطئة.. كالسعي إلى “خفض تصنيف تونس الائتماني”.. المتداول حاليا.. أو استعداء الجيش للتدخل وإجهاض التجربة الديمقراطية.. أو حملات إعلامية شرسة تتبعها محاكمات سياسية وفكرية.. وتدخلات أجنبية مكشوفة.. على غرار الوقاحة التي كشف عنها وزير الداخلية الفرنسي. *** تقتضي الحكمة والبصيرة.. ألا تستجيب النهضة التونسية لردود الفعل الغوغائية.. وأن تتعلم من تجارب غيرها ما يجنبها اجترار أخطاء قاتلة.. هي في غنى عنها.. وأن تعلم أن بعض أفرادها قد يسقطون .. لكن الأغلبية تظل صامدة.. ومن الحكمة السياسية الخالصة ألا تسلم رأسها مجانا لسياف في الانتظار.