الجزء الثاني حاوره: كريم حجوج يواصل الوالي الأسبق لوهران بشير فريك في هذا الجزء الثاني من الحوار المطول الحديث عن تفاصيل قصته التي يصفها بالمريرة، ويحكي بالتفصيل عن قصة الرسالة الشهيرة التي حررها مدير النشاط الاجتماعي الأسبق لوهران قادة هزيل حيث اتهم من خلالها مسؤولين سامين بالتغطية على شبكة دولية لتهريب المخدرات وعلاقة هذه الرسالة بملفه الذي حوكم بسببه. كما يتطرق في هذا الحلقة إلى طبيعة علاقته بمدير الأمن الولائي الأسبق مختار مقراني ولماذا رفض منحه سكنا اجتماعيا، ويبرز أيضا الدور الكبير الذي لعبه الوالي الذي جاء بعده قوادري مصطفاي مصطفى في تحريك ملفه…… نحن الآن في نهاية 1997، وأنت الآن وال على عنابة… كيف وجدت الوضعية هناك؟ وهل ارتحت من ضغط وهران ومشاكلها؟ فعلا، فقد أحسست براحة كبيرة وأنا أنقل في الحركة التي أجراها رئيس الجمهورية السابق ليامين زروال على سلك الولاة في نهاية سنة 1997، حيث عينت بالمنصب ذاته على مستوى ولاية عنابة التي كانت بالنسبة إلي مثل الجنة، مقارنة بعاصمة وهران التي تحولت إلى جحيم حقيقي بكل المقاييس، إذ واجهت صنوفا من الضغط وطقوسا من المساومات لم أتعرض لها طوال حياتي، بل لم أشعر بها حتى وأنا في سن الصبا، عندما وجدتني يتيما أواجه متاعب الحياة وقسوتها. ففعلا ولاية عنابة كانت نقلة نوعية في مساري المهني أعادت لي ذلك التوازن الذي فقدته بالمرة في وهران. هل نفهم أنك قطعت اتصالاتك بوهران بشكل نهائي وحتى بأصدقائك المقربين ومن عملك معك هناك؟ على المستوى المهني، يمكنني أن أجيب بنعم، لأنني لم أفكر للحظة واحدة أن أعيد ارتباطاتي المهنية بولاية وهران، وفضلت أن اندمج بأكبر سرعة ممكنة في نشاطي بولاية وعنابة، وحافظت ببعض الاتصالات الودية مع أصدقاء ووزملاء سابقين، ما عدا ذلك لم يكن لي أي اتصال بوهران. أنت تتكلم عن فترة راحة وهدوء في عنابة، لكن في وهران كان ملفا أمنيا وقضائيا مفتوحا بخصوص تجاوزات قيل أنك ارتكبتها خلال عهدتك من سنة 1994 إلى غاية نهاية 1997؟ كلامك ليس صحيحا البتة، ولي عديد الشواهد التي تؤكد أن التحقيق الذي فتح ضدي، جاء بعد إنهاء مهامي من قبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في حركة التغيير التي أجراها في أكتوبر من سنة 1999، أي بعد مضي عامين على قرار تحويلي إلى عنابة، بصورة أؤكد لك أن التحقيق الذي تتحدث عنه لم يتم فتحه إلا بعد 4 سنوات من مغادرتي ولاية وهران تقول أربع سنوات؟ لست أنا من يقول، بل وثائق وأوراق الملف الذي توبعت من أجله هي التي تؤكد هذه الحقيقة المرة. هل تعتقد أن الأمر كان مدبرا؟ أو أن تحريك الملف جاء على خلفية أخرى لا تتعلق بتاتا بفترة ولايتك وهران؟ انظر إلى الجدول الزمني وستقف بكل موضوعية على مجموعة من المتناقضات تبرز بشكل واضح أن شبهات كثيرة أحاطت بهذا الذي يطلقون عليه ملف بشير فريك، وأيضا كل التجاوزات المفبركة التي تضمنها التحقيق، فأنا لما انتقلت للعمل إلى ولاية عنابة، خلفني في منصبي وقتها، الوالي بدريسي علي، هذا الأخير الذي مكث في ولاية وهران عامين كاملين لم يعثر على أي دليل واحد يدينني وكان قد يدفعه إلى تحرير تقرير ضدي إلى مصالح وزارة الداخلية التي تعتبر الوصي الأوحد على قطاعنا، حيث غادر هو الآخر إلى ولاية بومرداس في حركة التغيير نفسها التي عزلت خلالها، دون أن يسجل خطا بسيطا في عهدتي، رغم أنه معنيا أكثر من الذي بعده، تسليم المهام وقع بيني وبينه، لكن الوالي الذي جاء بعده وأقصد هنا قوادري مصطفاي مصطفى هو من فعلها، وهو من حرك هذه القضية المشبوهة تحت ضغوط عديدة، بل أقول إنه فعل ذلك تصفية لبعض الحسابات تتعلق برسالة المخدرات التي حررها مدير النشاط الاجتماعي الأسبق لوهران قادة هزيل وبعث بها الى رئيس الجمهورية، حيث اتهم عبرها مسؤولين محليين كبارا بالتغطية على شبكة كبيرة تنشط بمناطق عديدة بالغرب الجزائري في تهريب الكيف والكوكايين. هل اطلعت على هذه الرسالة وماذا جاء فيها تحديدا؟ لم يسبق لي قط أن اطلعت عليها أو قرأت جزءا بسيطا منها ولكن سمعت أن مضمونها كان خطيرا للغاية، حيث أشار إلى أسماء عدة مسؤولين محليين بارزين من هذا المسؤول السامي السابق والولي الأسبق قوادري مصطفاي مصطفى ومدير الأمن الأسبق ومدراء بعض الجرائد، إضافة إلى رجال أعمال، قال إن جميعهم يغطون على نشاط هاته الشبكة. بما أنك لم تطلع على الرسالة ولا تملك أي علاقة بها، فما علاقتها بقضيتك؟ (يضحك) المسؤولون الذين ذكرتهم اعتقدوا أنني أنا من كنت وراء هذه الفكرة، حيث تخيلوا أنني حرضت مدير النشاط الاجتماعي الأسبق عى تحرير هذا التقرير وإيصاله إلى رئيس الجمهورية حتى أنتقم منهم، وهو اعتقاد خاطئ وكلام فارغ، لأنني كنت خارج هذا الموضوع ولم أسمع به إلا عبر الجرائد مثلي مثل أي مواطن، خاصة عندما حرك قائد الناحية العسكرية الثانية، وقتها، الجنرال كمال عبد الرحمن والوالي الأسبق قوادري مصطفاي مصطفى دعوى قضائية ضد الأخير بتهمة القذف والوشاية الكاذبة وهي قضايا أضحت من الماضي لكنها كانت السبب المباشر في ملفي وقضيتي، والهدف الرئيسي من إثارتها في ذلك الوقت كان يتمثل في تحويل نظار الرأي العام عما أحدثه ذات الرسالة من ضجة كبيرة على المستويين المحلي والوطني، خاصة عندما تسلم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة نسخة منها في بداية سنة 2001. هل تتذكر اليوم الذي وصلك فيه أول استدعاء من المحققين وماذا وقع بعد ذلك؟ يوم شُرع في هذا التحقيق كانت مهامي منهية في إطار حركة أول حركة تغيير يجريها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سلك الولاة، حيث جاءتني بعض الأخبار من قبل بعض الأصدقاء تفيد بأن مديرية الأمن لولاية وهران باشرت استدعاء مجموعة من الأشخاص والمسؤولين المحليين السابقين الذي شغلوا مناصب تنفيذية في عهدي، وقيل لي أيضا إن الوالي الأسبق قوادري مصطفاي مصطفى هو من حرك الدعوى القضائية، لكن ضد مجهول وكل من يكشف عنه التحقيق. أنا في هذه الوضعية كان لزاما علي الاتصال بهذا الأخير لأستفسره عن هذا الأمر، بحكم كونه زميلا سابقا، وهو ما قمت به، حيث اتصلت به عبر الهاتف، وطلب مني أن أصبر عليه يوما واحدا حتى يتقصى الأمر، ثم يكلمني، ولما لم يفعل لمدة ثلاثة أيام، رحت اتصل به مجددا، فأخبرني بأنه لا يعرف معلومات كبيرة عن الملف، ما عدا أن أحد قضاة التحقيق لدى محكمة وهران أمر بإنابة قضائية حتى يتم سماعي في القضية، بعدما جاء ذكري في شهادة أحد الأشخاص الذين كانوا متابعين، وذكر لي بالاسم مدير النشاط الاجتماعي الأسبق لوهران قادة هزيل، رغم أن جميع وثائق الملف أظهرت أن هذا الوالي كان هو من حرك القضية، لكن علمت أنه ندم لأنه تعرض إلى المصير نفسه الذي واجهته من قبل، بعدما أنهيت مهامه وماذا حدث بعد ذلك؟ بقيت أراقب الأمور وشعرت أن أمرا ما يدبر لي في الخفاء، فاتصلت بالمرحوم محمد ذيابي الرئيس الأسبق للفيدرالية الوطنية لكرة القدم، حتى يساعدني على الوصول إلى قاضي التحقيق المذكور لأساله بنفسي عن حقيقة الأمر، وفعلا ساعدني السي محمد رحمه الله، ودلني على هذا القاضي الذي سأذكر اسمه، لأنه صار هو أيضا في عداد المتوفين رحمه الله، وأقصد هنا قاضي التحقيق عبد الغني قريقرة الذي توفي مؤخرا، حيث طلبته في الهاتف على العاشرة مساء سألته عن حقيقة طلبه إجراء إنابة قضائية حتى يسمعني بخصوص الشهادة التي قدمها ضدي قادة هزيل، لكنه نفى تماما الأمر، قال لي بالحرف الواحد أنا لم أتخذ أي إجراء في حقك، لكن أمورا كثيرة تحدث من أجل توريطك في ملف ما. وهل صدقت قول قاضي التحقيق الذي تتكلم عنه؟ بالطبع، لأنه كانت هناك مجموعة من المعالم تؤكد جميعها أن الملف المذكور تمت فبركته لهدف واحد فقط يتعلق بتوريطي والنيل مني ياي طريقة كانت، لما اعتقدت هذه الجماعة أنني كنت وراء رسالة المخدرات، ومن أهم هذه الدلائل أن التحقيق لم يفتح ضدي إلا بعد 4 سنوات من مغادرتي منصبي كوال لوهران، ينضاف إلى ذلك الحملة الشرسة والمغرضة التي شنتها ضدي بعض الوسائل الإعلامية في هذه المرحلة، وهو أمر لم يكن اعتباطيا، بل جاء تكملة للخطة الشاملة التي أعدت للنيل من سمعتي ولدفعي إلى السجن مهما كان الثمن، ثم ما أثار انتباهي في كل هذه الحكاية هو ذلك الضغط الكبير الذي ظل يمارسه مدير الأمن الولائي الأسبق شخصيا ضد كل الأشخاص الذين تم استدعاؤهم، بما في ذلك الوزير الأسبق للبريد والمواصلات، المرحوم والمجاهد محمد سراج الذي تعرض لضغط كبيرة رغم كبر سنه، ورغم ما قدمه للثورة التحريرية، حيث يعتبر من المحكوم عليهم بالإعدام من طرف الإدارة الاستعمارية. وماذا كان يفعل مدير الأمن الولائي في هذه التحقيقات؟ مقراني مختار الذي كان يشرف على مديرية الأمن لوهران، حاول الانتقام مني بأي طريقة كانت لسبب شخصي سأكشف عنه لأول مرة، حيث كنا مسافرين معا عبر الرحلة الجوية نفسها، وكنت وقتها واليا لوهران وهو مدير أمن ولائي ببلعباس، وطلب مني أن أمكنه من سكن اجتماعي بطريقة استفزازية لم تعجبني، فقلت له ناصحا وفي منتهى الاحترام، مثل هذه الأمور لا تعالج في هذا المكان وليس بهذه الطريقة، فلم يرقه الأمر، ولما عدت إلى مكتبي بوهران سألت عنه، لأنني لم أكن أعرفه في الأصل، فأخبروني أن حاله ميسور جدا، و في المدة الزمنية نفسها تقريبا، جاءني اتصال من رئيس دائرة عين الترك، قال لي إنه يواجه مشكلة من نوع خاص، فلما سألت عن طبيعتها أجابني أن مدير أمن ولاية بلعباس استفاد بطريقة غير شرعية من عقار هو عبارة عن مساحة خضراء وأن هذا الأخير يسعى للحصول على رخصة للبناء، فرفضت الأمر جملة وتفصيلا، بل أمرته بهدم كل ما بناه، وإلا عرضته لعقوبة، وأنا فعلت ذلك تطبيقا للقانون، وبعيدا عن أي خلفية أخرى، لذا وجد مقراني مختار في هذا التحقيق الفرصة مناسبة حتى يثأر لنفسه، ويزيد اقترابا من قائد الناحية العسكرية السابق الجنرال المتقاعد كمال عبد الرحمن الذي كان يحرك خيوط الملف، دون أن يظهر للواجهة أو العلن. وبالعودة إلى ما فعله الأخير مع الأشخاص الذين كان يستدعيهم، فقد عمل المستحيل من أجل إرغامهم على الاعتراف بأنني أنا من طلبت منهم ارتكاب هذه التجاوزات التي ذكرت في الملف، وأنهم كانوا مأمورين وفقط، وهي الحالة التي تكررت مع أزيد من 100 شخص. كما لفق تهما لأزيد من 53 شخصا استفادوا بعد ذلك من انتفاء وجه الدعوى لدى المحكمة العليا وكان من بينهم الوزير الأسبق للبريد والمواصلات محمد سراج رحمه الله. تطالعون في الجزء الثالث والأخير "هذا ما قلته لقاضي التحقيق لما أمر بوضعي الحبس المؤقت" "تمنيت لو حوكمت على تزوير الانتخابات التشريعية لسنة 1997″ "ألفت 13 كتابا في السجن، وأقول حسبي الله ونعم الوكيل"