إذا ثبت بالفعل أن بقرة اليتامى والميسورين سوناطراك تتجه نحو الغرز على طريقة نسوان الجزائر اللاتي لا يرضعن أولادهم حتى ستة أشهر. إذ ثبت ذلك بالفعل، فإن على هؤلاء انتظار يوم القيامة كما توقعها بعض الكهنة من المشعوذين بعد ثلاث سنوات. وليس رفع المظلات كما كانوا يفعلون حين تمطر في فرنسا، فيرفعونها. البقرة هذه مازالت تضمن إلى اليوم 96% من مداخيل الجزائر، في وقت لا يضمن البترول في السعودية وهي أول دولة نفطية في العالم سوى 54% من مداخيلها، حسب التقديرات. ومعنى هذا أن كل التطبيل الذي حصل منذ عشرات السنين بتحقيق البترول الأخضر هو كحنة في حافر بغل أو حمار، فالجزائريون يستوردون لضمان عيشهم كل شيء من الخارج، من الثوم والبصل إلى الفول والحمص، وتشير كل التوقعات إلى أن نسبة التبعية في ازدياد، خاصة مع نمو ديمغرافي رهيب يفوق ما يحققه الجراد! وعندما تشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن ما يتم اكتشافه من آبار بترول مقارنة بالغاز يساوي أربعة مقابل صفر، كما حصل في ماتش كورة مع مصر، وأن الجزائر تستورد بالفعل المازوت بما قيمته 250 مليون دولار سنويا، فإن التوجه القادم وعلى المستوى القريب يتجه لكي تصبح البلاد دولة مستوردة للبترول، وليست مصدرة، والمشكلة ليس في أن أمراء البترول عندنا الذين يضاهون بعض الأمراء في الخليج سينقطع عنهم المدد والعدة أو سيتحولون إلى أمراء شمس، لأنهم أبعد من ذلك بمسافة الأرض عن الشمس وإنما المشكلة أن البترول سينضب في وقت لم يسهم فيه في بناء دولة لا تزول بزوال الرجال والنسوان. المال ركن أساسي في بناء أي دولة، لكن المال وحده لا يكفي إذا لم يكن هناك مشروع علمي محدد ورجال سياسة واقتصاد في المستوى من ذوي الكفاءات ومن أصحاب الاتجاهات الوطنية. ومادام أن كل ذلك غير متوفر بالقدر المطلوب، وسيضاف إليه المال بعد أن تغرز البقرة، فإن أكثر التقديرات تفاؤلا تشير مستقبلا إلى أن الجزائر مرشحة لكي تكون مقارنة مع عدد من الدول العربية، وليست الأوروبية أشبه بالإسبان والبرتغاليين، الذين نقلوا ذهب أمريكا الجنوبية بدءا من القرن الخامس عشرة ولم يستثمروه فطار منهم لباقي البلدان، أي أقرب لدولة رعيان ''يتبحبح'' فيها المضاربون و''التراباندية'' والسماسرة وقطاع طرق المال العام!