أسبوع مثير هذا الذي انقضى، فالتغيير الحكومي كاد يقع، وأوشكت أسماء أن تغادر وزاراتها وكادت أسماء أخرى تخلفها، بل إن الوزير الأول نفسه أوشك على ترك مكانه لوزير أول آخر... تضاربت التكهنات حول الأسماء والمناصب وحول حدود التغيير الذي كاد يقع، فتصاعدت أسهم بعض وانهارت أسهم بعض آخر.. وتزايدت المضاربات باقتراب يوم اجتماع مجلس الوزراء، وبلغت قلوب المنتظرين الحناجر.. وانتهى الاجتماع المنتظر ثم مرت نشرة أخبار الثامنة ولم يحدث التغيير، فتنفس الجميع، بعضهم تنفس الصعداء بعد أن كاد يرى نفسه يحمل الوصف البغيض ''وزير سابق''.. وبعض آخر تنفس حسرة على فرصة أخرى ''ضائعة'' أو تنفس نسائم الأمل بتغيير وشيك.. فمنذ تجديد رئيس الجمهورية ثقته في حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى ونحن نعيش على وقع مواعيد كالتي عشناها الأسبوع المنصرم، مواعيد التغيير الذي يكاد يحصل ثم لا يحصل، ثم نجلس بعد كل خيبة أو موعد كاذب لنحلل - مدعين الحكمة بأثر رجعي- الأسباب والعوامل التي أجلت التغيير، والأسباب والعوامل التي لأجلها سيكون التغيير في الموعد القادم -الذي اخترناه-.. تغييرا منطقيا ومناسبا بل وضروريا! هذه هي حالنا نحن المشتغلين بالسياسة والإعلام أو نحن الدائرين في فلك المشتغلين بالسياسة والإعلام، منذ بضع سنين. أما عموم الجزائريين فأزعم أن لهم هموما أخرى لها مواعيد أخرى ليست واردة في أغلب ''أجندات'' الساسة والصحفيين.. فالجزائريون ينتظرون التغيير ويريدونه بكل تأكيد، لكنهم - وبكل تأكيد أيضا- لا يرون التغيير في تبديل بضعة أسماء في حكومة، مع بقاء الحكومة برنامجا وروحا وأسلوب عمل بلا تغيير أو مراجعة.. والناتج في النهاية هو ''تدوير'' وليس تغييرا.. لكن قبل كل هذا ربما ينبغي أن نسأل أنفسنا: لماذا نتحدث هكذا عن التغيير؟ فهل نحن حقا في حاجة إلى تغيير؟ ماذا سنفعل به؟ ألسنا ننعم باستقرار المؤسسات منذ عشر سنين أو يزيد؟ ألم نطلق برنامجا للتنمية والإنعاش الاقتصادي ب150 مليار دولار؟ ألم يصوت الشعب لقانون المصالحة الوطنية كما صوت من قبل لقانون الوئام المدني؟ ألا يحكمنا تحالف رئاسي جمع أهم ألوان الطيف السياسي في البلاد ويتمتع بالأغلبية المطلقة في كل المجالس المنتخبة؟ ألم نفتح ورشات إصلاح الدولة وإصلاح العدالة وإصلاح المدرسة وإصلاح الأسرة؟ ما حاجتنا للتغيير وخزائننا مليئة بملايير الدولارات وبلادنا، من أقصاها إلى أقصاها، ورشة كبرى للبناء المنازل وإقامة السدود وشق الطرقات؟ بل إن السماء التي كانت شحيحة وقاسية معنا في سنوات الفوضى والجنون صارت تغدق علينا بغيثها في عزّ الصيف... ما حاجتنا للتغيير في الأشخاص أو البرامج أو الأساليب؟ وهل في الإمكان أبدع مما كان؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة، للأسف، هي نعم... نعم نحن بحاجة للتغيير رغم كل ما ذكرنا، نحن بحاجة للتغيير لأن استقرار مؤسساتنا تحول إلى جمود وانغلاق، ويكاد يصير شللا نصفيا أو كليا، ونحن بحاجة للتغيير لأننا صوتنا للمصالحة والوئام لكننا نعيش الجهوية والعشائرية، ونحتاج للتغيير لأننا أنفقنا 150 مليار دولار أو أكثر من أجل التنمية لكننا لم نحصد غير النهب والاختلاس والتبديد، ونحتاج إلى التغيير لأن الأسرة مايزال يحاصرها الفقر والانحلال والمدرسة تقتلها الرداءة والارتجال، والدولة أنهكها الفساد... نحتاج إلى التغيير لأننا جميعا نشعر أننا بتنا نراوح مكاننا وأننا نقف في وسط الجسر تماما، العشريات السوداء والحمراء وراءنا وفرص الإصلاح والعدالة والتنمية والسلم على نهاية الجسر أمامنا، لكننا لا نقوى على التقدم والمضي إلى الأمام.. لكل هذه الأسباب نحتاج التغيير، التغيير الحقيقي لا تغيير الأسماء والمناصب، التغيير الذي يمكننا من أن نصل الضفة الأخرى بأمان.. فالوقوف بلا حراك وسط الجسر لا يدوم للأبد فإما التقدم أو التراجع أو القفز إلى المجهول!