الشيخ رائد صلاح، أو'' أسد المسجد الأقصى'' كما يلقب في فلسطين، اغتنمت ''البلاد'' فرصة مشاركته ضمن أسطول الحرية المتجه لكسر الحصار عن قطاع غزة، لتجري معه هذا الحوار الحصري الذي تحدثنا فيه عن مواضيع مختلفة تخص القافلة والمشاركة الجزائرية فيها، وكذا التداعيات الخطيرة التي تحيط بالمسجد الأقصى، ليتوجه في نهاية الحوار بكلمة دافئة إلى شباب الجزائر وشعبها. الشيخ رائد صلاح هذه أول مرة ينضم فيها وفد من أراضي 48 إلى قافلة لكسر الحصار عن قطاع غزة، ما دلالات ذلك بالنسبة إليكم؟ هذه المشاركة التي نتشرف أن نكون جزءا منها بفضل الله هي عبارة عن فرصة تاريخية نستثمرها أولا حتى نكسر الحصار عن أنفسنا، المضروب علينا منذ عشرات السنين، عشنا خلالها قطيعة كبيرة بيننا وبين أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي، والآن ها نحن نكسر هذا الحصار ونتواصل مع عمقنا العربي والإسلامي من خلال هذا الالتقاء الكبير الكريم مع وفود شتى من دول عربية ومسلمة. ثم نحن من خلال أسطول الحرية نسعى بإذن الله لكسر الحصار عن مليوني محاصر من أهلنا في غزة، طامعين أن نعجل من خلال ''أسطول الحرية'' بداية دحر الاحتلال الإسرائيلي وبزوغ فجر الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. أنتم كشخصية تحظى برمزية خاصة لدى عموم الشعب الفلسطيني وكل العرب والمسلمين، وإسرائيل تدرك ذلك جيدا، ألا تعتقدون أن حضوركم ضمن القافلة سيكون دافعا إضافيا لإقدام إسرائيل على التعامل بشدة أكبر مع الأسطول؟ نحن سلفا عندما قررنا أن نشارك في أسطول الحرية، أدركنا أن هناك متاعب في الطريق ولا يمكن لنا أن نحدد حدود هذه المتاعب. ومع ذلك بكل قناعة وبكل حب في الوقت نفسه ها نحن نخوض هذه التجربة موقنين بأن نصل إلى غزة دون أن نستأذن الاحتلال الإسرائيلي أو نطمع في موافقة منه لأن المياه الإقليمية هي طرق دولية لا يجوز لأي دولة أن تحتكرها وإلا ستكون ممن يمارسون القرصنة البحرية بكل معنى الكلمة. ولذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي إذا ما سولت له نفسه أن يتعرض لأي سفينة من أسطول الحرية فهو بذلك يسجل على نفسه عارا أسود لن يمحى، وسيكتب عليه في التاريخ أنه أحيا مشهد القراصنة الذي كنا نسمع عنه في القرون الوسطى، الذين عادوا من جديد بلباس إسرائيل ينهبون السفن ويعتقلون ركابها الآمنين المطمئنين الذين يحملون علم الحرية وإغاثة المحاصرين من أمهات وأطفال وأرامل وأيتام ومستضعفين. لذلك نحن في مشهد مصرّين عليه، متوكلين على الله تعالى، وموقنين بأننا بحقنا أقوى من كل ظلم وقوة الاحتلال الصهيوني. لو عدنا إلى المشاركة العربية في هذا الأسطول، ربما هي المرة الأولى التي يكون للعرب دور بهذا الحجم في تسيير القافلة وهنا أقصد بالطبع الجزائر والكويت، كيف تقيّمون هذه الخطوة؟ المشهد يجدد فينا الأمل ويحيي فينا التفاؤل ويؤكد أن الأمة الإسلامية أمة المفاجآت الإيجابية. فالذي يظن أنها أمة ماتت والسلام هو مخطئ. فها هي تجدد دورها من خلال جماهيرها الحرة رجالا ونساء، والذي يتمثل اليوم في سفينة جاءتنا بما تحمل من أهلنا في الجزائر، وبسفينة من الكويت وبخطوات تسدد موقف إخواننا في مصر واليمن والأردن وموريتانيا والعراق. فهذا يدل على أن صوت هذه الجماهير لا يزال حرا عاليا يقول للباطل أنت باطل، ويسعى إلى نصرة المظلوم ولسان حاله يقول قادمون ياغزة. وهذا كله تجديد أمل في نفوس محطّمة وقلوب متكسرة آن لها أن تعرف أن لها عنوانا وكرامة وفجرا قريبا. مصر قدمت اقتراحا لعبور القافلة عبر ميناء العريش لدخول غزة عن طريق معبر رفح، لكن المشرفين على القافلة رفضوا هذا المقترح، فما هو موقفكم من ذلك؟ نحن في الأساس نحمل الحرية إلى غزة قبل أن نحمل إليها غذاء أو دواء، ولا يمكن للحرية أن تصل إليها نقية صافية إلا إذا دخلنا من المياه الإقليمية مباشرة إلى شواطئ غزة كاسرين الحصار، يوم ذاك معناه أن غزة تتحرر وهذا ما يعني تلقائيا أن نوصل لأهلها المساعدات الإنسانية. فهدفنا في الأساس أن نكسر الحصار وهذا ما التقت عليه ضمائر كل المشاركين في أسطول الحرية من 50 دولة وما يزيد على 800 عضو في هذه القافلة التاريخية التي ما كانت قبل ذلك على مدار التاريخ، وذلك لن يتم إلا عبر المسار الذي رسم ولن يتم إن دخلناها من العريش أو الإسكندرية أو البحر الأحمر أو أي بقعة في العالم. لو قيّمت الدور المصري في مسألة الحصار المفروض على غزة وتعاطيها مع الملف الفلسطيني عموما، ماذا ستقول؟ نحن نحب مصر ونحب دورها، لذلك لا نرضى لها أن يكتب عنها في يوم من الأيام أنها كانت في موقف المتفرج على حصار غزة أو في موقف من يعمل على إبقاء هذا الحصار. نحن نريد لمصر الخير وأن تبقى مصر التي خرج منها صلاح الدين في آخر خطوات جهاده نحو تحرير المسجد الأقصى، نريد مصر التي عرفناها بأزهرها الذي أنجب العلماء والفقهاء والأولياء والشهداء. لأننا نريد كل ذلك لمصر، فمازلنا نتمنى عليها أن تحدد موقفا ينتظره الجميع في كل العالم وينتظره بالأساس كل مصري، صغيرا كبيرا، وهو أن تفتح معبر رفح فورا بدون توقيت أو شروط. كثيرون هم من يربطون اسم الشيخ رائد صلاح باسم المسجد الأقصى، ومن منطلق علمكم الدقيق ومتابعتكم الحثيثة للتحركات الإسرائيلية في المدينة المقدسة، هل تعتقدون فعلا أن سنة 2010 هي عام مفصلي في مصير المسجد الأقصى كما سبق وأن ذكرتم؟ كل القرائن السوداء التي ترتكبها إسرائيل تؤكد أن عام 2010 هو عام مصيري حاسم تطمع فيه أن تحسم قضية تهويد القدس وبناء هيكلها المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. ومرة بعد مرة أقول إن القرائن كثيرة، وما افتتاح كنيس الخراب قبل شهرين إلا دليل على ذلك وهو يصرّح جهارا أن افتتاحها لهذا الكنيس في حساباتها الدينية الإحتلالية، يعني لها بداية فعلية للشروع في بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى. هذا نذير يجب أن ينبه كل غافل، فإسرائيل بدأت نشر من خلال أذرعها أفلام افتراضية تبين كيف سيهدمون المسجد الأقصى . وهذا نشر عبر فضائيات كثيرة، ويكفي أن نعلم أن الاحتلال في هذه الأيام قد أكمل بناء كل المصاطب ومدرجاتها من خارج المسجد الأقصى التي تقود إلى الباب الثلاثي المغلق الموجود في الجدار الخارجي للمصلى المرواني. هذا يعني أن الصهاينة لم يبقى عليهم إلا فتح الأبواب وبالتالي سنقع في خطر تحويل المصلى المرواني والأقصى القديم إلى كنيس يهودي، وهذا ما تتحدث عنه بصراحة قبيحة حكومة نتنياهو الذي وعد من ضمن كل رؤساء الوزراء الإسرائيليين، في فترة رئاسته الأولى علم 1996 أن يبدأ بناء الهيكل، لكنه فشل في وقتها لأن حكومته أخفقت وحلّت. الآن هو رئيس الحكومة ولديه كل الظروف المتاحة لبناء الهيكل المزعوم، لذلك مازلت أحذّر وأقول يا مسلمي العالم اتحدوا، عام 2010 هو عام مصيري سيتقرر فيه مصير الأقصى برمته. ما هي أهم خطوة عملية يمكن اللجوء إليها لوقف التجاوزات الصهيونية على معالم المدينة المقدسة؟ أهم خطوة في نظري نحتاجها فورا، هي تغيير الخطاب الذي يتعامل به العرب والمسلمون مع المسجد الأقصى فيما روج من كلام، بأن حماية المقدسات مهمة الفلسطينيين وحدهم، أقول آن الأوان لأن نشطب هذا الخطاب وننقلب عليه ونثور عليه، وأن نتبنى خطابا صريحا واضحا وبلا تردد مفاده أن الأمة الإسلامية بكاملها والشعب الفلسطيني جزء منها، في مواجهة المشروع التهويدي الخطير. في المنظور القريب لا شك أن القضية الفلسطينية في خطر مصيري بكل معنى الكلمة وكل الشعب الفلسطيني في خطر. نحن فلسطينيي الداخل في خطر لأن هناك مخططا لترحيلنا، القدس في خطر وأهلنا المقدسيون كذلك يفرض عليهم التطهير العرقي. وكذلك الضفة الغربية في خطر لوجود مخطط تهويدي يترصّدها، القسم الخامس من الفلسطينيين وهم اللاجئون في خطر أيضا، مع الخوف من إغلاق ملف حق العودة. كما أن القطاع المحاصر مهدد، فهناك مخططات، والجميع يعرف، لضربة عسكرية كبيرة على غزة. وهو ما يدفعني للقول إن القضية الفلسطينية من المنظور القريب هي في خطر، ولكن لو نظرنا إلى ما بعد ذلك فأنا جد متفائل لسبب بسيط، لأن القضية الفلسطينية بدأت تعود من خلال الأحداث التي نعيشها الآن إلى أبعاد حقيقية. ما عادت فلسطين فقط للفلسطينيين بل الآن عادت إلى بعدها العربي والإسلامي وبدأ كل مسلم يعيش مرحلة يقظة ومحاسبة للضمير. لو أردنا أن نتقرب إلى الشيخ رائد الإنسان، من أين يستمد رائد صلاح كل هذه القوة في مجابهة الصعاب والخطوب التي مر عليها؟ أولا وأخيرا من إيماني بالله، ثم من إيماني بأنني صاحب حق وصاحب انتماء إلى عالم عربي وأمة إسلامية لها تاريخها الطويل الذي ملأ الدنيا قسطا وعدلا. ولايزال هذا العالم يملك المقومات لأن يعود إلى دوره كفارس يمتطي صهوة جواده من جديد. أنا أنتمي إلى هذا الامتداد العميق فلماذا لا يمتلئ قلبي بهذا اليقين والثبات والصمود، وهكذا في نظري سيصغر كل شر وكل محتل ومصيبة، نحن عشنا ليلا معظم ساعاته قد مضت ونحن الآن فيما قبل طلوع الفجر الصادق لخلافة إسلامية راشدة بحول الله. متى ننتظر قدومكم إلى الجزائر؟ عندما يشاء الله تعالى، نحن لدينا الحب والشوق والانتظار بصبر حتى نزور الجزائر مدرسة الشهداء والثوار التي قامت يوم أن نام الكثير، والتي حطمت أنف الاستعمار الفرنسي بعد أن ظن أنه إله يحيي ويميت، وبعد أن ظن أن الأمة الإسلامية هانت وماتت جاء ثوار الجزائر ليقولوا له أنت مخطئ لا تزال الأمة في خيرها ودورها وفي صبرها. وبحمد الله هي أنفاس الجزائر التي لن تموت والتي جاءتنا مع صلاح الدين وكان لها الجزء الكبير في صناعة نصر حطين، هي الأنفاس التي مازالت القدس والمسجد الأقصى على موعد قريب معها إنشاء الله. لو سمحتم، كلمة مختصرة عبر ''البلاد'' لشباب الجزائر؟ شباب الجزائر هم طليعة ثمينة ورأسمال نادر، هم نوعية مميزة بإرادة صلبة ومواقف شامخة وبمثل هذه المواصفات نرد للقدس والمسجد الأقصى العزة والكرامة فيا شباب الجزائر، أنتم اليوم في موقف ينادى بكم وينادى لكم ويستغاث بكم وتكاد القدس تناديكم فردا فردا واسما اسما، فاصغو إليها جيدا فهي أمنا جميعا، وهل يرضى الشاب أن تهان أمه، فيا شبابنا في الجزائر سنبقى نحبكم رغم البحار التي تقطع بيننا، موقنين بأننا التقينا نخبة منكم في أسطول الحرية وموقنين بأن هذه مقدمة سنلتقي بعدها معكم بحول الله في رحاب القدس مهللين مكبرين نقرأ سورة النصر إن شاء الله. شباب الجزائر هم طليعة ثمينة ورأسمال نادر، هم نوعية مميزة بإرادة صلبة ومواقف شامخة وبمثل هذه المواصفات نرد للقدس والمسجد الأقصى العز والكرامة