تحولت ولاية سطيف طيلة أيام رمضان، إلى مدينة لا تنام فكل المحلات والمقاهي والمطاعم مفتوحة والعائلات تخرج أفواجا قاصدة محلات بيع المثلجات والحلويات الشرقية أو طاولات الشواء التي ينصبها الشبان في الشوارع ومداخل الحارات الشعبية وإلى المطاعم المختصة في صناعة الشواء في رمضان، فخلال جولتك في شوارع بلديات سطيف طيلة شهر رمضان يخيل لك أنك في مدينة أخرى غير تلك التي كانت تنام على السادسة مساء، حيث تصادفك زحمة واختناق في حركة المرور، خاصة أن رمضان هذه السنة تزامن مع الصيف وموسم العطل من إقبال العائلات على السهر خارج بيوتهم، حيث تجد المحلات جميعها مفتوحة. لكن المميز في السهرات الرمضانية الإقبال الكبير على استهلاك الشواء، خاصة بالنسبة إلى الذين يقصدون أماكن النزهة والاستجمام أو من الشباب الذين يقضون سهرات طويلة يتسامرون في أحيائهم وبالقرب من منازلهم، نظرا إلى طعمه المميز الذي يفضله العديد من السطايفية كبارا ونساء، كما أنه يعد أحد أهم الأطباق الرئيسة المعروضة عبر مختلف المطاعم ومحلات الأكل الخفيف التي تحتل مساحة كبيرة عبر مختلف الأحياء والشوارع سطيف، أين يزداد تهافت الكثيرين على الشواء، كما تتضاعف الطاولات المختصة في هذا المجال، التي يقوم عليها في الكثير من الأحيان بعض الشبان الذين يجدون فيها فرصة مناسبة لتحقيق أرباح معتبرة خلال رمضان، على اعتبار أن الشواء يعتبر من أكثر الأكلات والأطباق الخفيفة التي يكثر الطلب عليها خلال هذه الفترة من السنة ومن أبرز الأكلات والأطباق اللذيذة التي تشتهر بها ولاية سطيف خلال شهر رمضان، خاصة بعين والمان، حيث إن المشواة بولاية سطيف لها تقنياتها وأسرارها في كيفية طهي هذا النوع من الأكلات الشعبية، مما يجلب انتباه الزائر والمتجول في أحيائها وعلى الزبون أن يختار بين شواء اللحم أو الكبد أوالكلى أو القطع المختلفة للحوم التي تحضر بطريقة ماهرة، فرائحة الشواء على الجمر تستهوي الكثيرين الذين يشتهون كل ما لذ وطاب في رمضان، فتجدهم لا يتوانون عن الإقبال عليه. الطاولات العشوائية للشواء غير صحية وخطر يهدد المقبلين عليها انتشرت فضاءات الشواء في السنوات الأخيرة في معظم أحياء بلديات سطيف منافسة بذلك باعة الحلويات مثل الزلابية وقلب اللوز، متسببين في تلويث الهواء بدخان الشوايات وعارضين للاستهلاك قطع لحم ليست بالضرورة صحية، وفضلا عن ذلك فإن هذه التجارة غير القانونية من المفروض ألا تمارس بالمناطق الحضرية بالنظر للضوضاء التي تصاحب عملية بيعها وكذا الدخان المتصاعد من مشوايها، حيث نلاحظ ارتفاع عدد الطاولات المنصوبة هنا وهناك، التي ينطلق العمل عليها بعد الإفطار ويمتد إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، تلبية لطلبات الكثير من الشبان الساهرين والعائلات التي تقصد بعض الأماكن التي تكون قريبة ومحل إقبال من طرف العائلات السطايفية، ولعل السمة الغالبة على طاولات الشواء الفوضوية تلك، هي أسعارها البسيطة التي تكاد تكون في متناول الجميع، وهو ما يكسبها زبائن كثيرين ودائمين، إذ لا يتعدى عود الشواء ال15 دج وأحيانا يعرض ب10 دنانير فقط، مما يجعل التهافت عليها كبيرا للغاية، بغض النظر عن الشروط الصحية التي من الواجب الحرص عليها والانتباه لها، خاصة الدخان المنبعث منه. وفي هذا الشان قال "س.ع" "علي أن أغلق نوافذ شرفتي لأتمكن من الخلود إلى النوم وإلا سأختنق بالدخان"، نفس الأمر لاحظته سرور وهي شابة تقطن بقلب عين والمان، فتقول "إن الدخان المتصاعد من مشاوي اللحم لا يطاق، حيث إنه كثيف ويحجب عنا الهواء النقي"، معربة عن تذمرهها من هذه التجارة التي استفحلت في عين والمان وتمارس بشكل متواصل إلى غاية ساعات متأخرة من الليل طيلة السنة. اللحوم المستعملة قد لا تكون صحية وآمنة في ظل انعدام الرقابة الصارمة أما عن طرق عرض وحفظ تلك اللحوم وحتى طريقة شويها والمواد المستعملة وطاولات الشواء الخاصة بذلك وغيرها من الأمور التي قد لا ينتبه إليها الكثير من المقبلين عليها مغترين برائحة الشواء الشهية، ولا يختلف في ذلك الكبار عن الصغار مادام أن كثيرا من الأطفال والمراهقين هم زبائن أوفياء لباعة الشواء على تلك الطاولات العشوائية المنتشرة في كل مكان تقريبا، إلا أن انعدام ثلاجات تضمن المحافظة على اللحوم وفق شروط صحية آمنة والأطعمة الأخرى القابلة للتلف بسهولة في درجات حرارة تزيد عن 30 درجة مئوية لأكثر من ساعة واحدة، خصوصا في فصل الصيف يجعل الأمر خطيرا، في ظل انعدام رقابة صارمة، ناهيك عن مخاطر استعمال الفحم وإهمال نظافة المشاوي، وكذا الإزعاج الكبير المنبعث من تصاعد الدخان الكثيف الذي يتسبب في الكثير من الضيق والقلق والإزعاج للمارة ولسكان العمارات المجاورة، والفوضى الكبيرة التي يحدثها الزبائن الملتفون حول طاولات الشواء، وهنا احتار "علي. ع" 52 سنة طبيب، كون هذه المشاوي تفتن بطن الصائم التي امتلأت بما طاب ولذ في الفطور إلا أن الشاب "عيسى. ص" لا يوافقه الرأي "أنا لا أتناول إلا الشيء القليل على مائدة الفطور بسبب ارتفاع درجة الحرارة ولهذا تجدني هنا في السهرة للاستمتاع بتناول بعض من مشابك اللحم المشوي الشهي لتعويض ما لم أتناوله في الفطور. الأسعار المغرية هو ما جعل المواطنين يتوافدون عليه لكن ما سبب إقبال الشباب خاصة على مثل هذه الأنواع من الأكلات السريعة؟ التي لا يحرص كثيرا على توفير شروط النظافة في تحضيرها بكونها معرضة لغبار الشوارع ، بالإضافة إلى أن تجار المشاوي لا يستطيعون تحديد مصدر اللحوم التي يعرضونها، إلا أن الشباب الذين كانوا يتزاحمون حول هذه الطاولات المنصوبة في العراء أجمعوا على أن ما تقدمه من لحم مشوي شهي، يستهوي بطونهم ويسيل لعابهم. وقد تضاعف عدد هؤلاء الشواية خاصة الأطفال بشكل ملفت للانتباه خلال شهر الصيام، خاصة على مستوى التجمعات الحضرية الكبيرة، إذ تجد طاولاتهم وقد انتشرت بأرجاء الأحياء الشعبية خاصة بالقرب من المساجد وهي تفوح برائحة اللحم المشوي الشهي وتفيض هذه الطاولات التي تنصب أحيانا على شكل لوح بسيط تحته مقعد ومغطى بغطاء مشمع بمشابك حديدية تحمل قطع لحم البقر أو الديك الرومي أو "المرڤاز" بالقرب من مشواة الفحم التي تنبعث منها رائحة اللحم المشوي وقطع الشحم التي تتقاطر على جمرها المشتعل، كما تزين مشابك اللحم بقطع من الفلفل الحار والطماطم الطازجة مما يفتح الشهية أكثر ويسيل لعاب المارة الذين ظلوا طوال النهار صائمين. وفي الواقع فإن الأسعار المقترحة لهذه المشاوي أنست المستهلكين الأخذ بأسباب الحيطة والحذر أمام مثل هذا النوع من المنتجات المعروضة بالعراء التي لا توافق طريقة تحضيرها شروط النظافة الصحية، حيث لا يتوان مستهلكوها عن تناولها في شكل "سندويتش" وشيء من الهريسة الحارة. وبسؤالنا لأحد الشباب عن سبب اقتنائه لهذا النوع من الشواء، أجاب بأن اقتناء مشبك من اللحم المشوي ب10 دج صفقة رابحة "ب100 دج أستطيع شراء 10 مشابك من اللحم المشوي وهذا ما لا يمكن أن أحصله بمطعم"، مضيفا "إن سعر هذه المشابك المشوية معقول مما يسمح لنا نحن الفقراء بتذوق اللحم دون أن نصرف المال الكثير." من زار عين ولمان ولم يأكل شواءها فقد ظلم نفسه يعتبر شواء عين ولمان الواقعة جنوب ولاية سطيف أسطورة من أساطير الزمن لن تمحوها ذاكرة ولن تسقط من قاموس عراقة الأكل وأصالة أهله وتبقى محط الزيارات المتواصلة لعديد المسؤولين، الفنانين، الممثلين ونجوم الكرة، حيث وصلت شهرته عنان العالمية، فهو أبرز معلم تشتهر به المنطقة ورمزا من رموزها، لما يتميز به من جودة عالية تفننت فيها بعض العائلات التي ورثت الحرفة أبا عن جد وهي الآن تستقطب الزبائن من مختلف الأقطار على مدار السنة وحتى في شهر رمضان، إذ كان أجداده يمارسونها بواسطة نصب الخيم والترحال بين المناطق ثم استوطن هؤلاء بعين ولمان وإلى حد الساعة لا يزال ذلك الطابع التقليدي مستمرا، حيث تقام الخيم كل يوم خميس في السوق الأسبوعي للمدينة والعجيب في الحكاية أن العلاّمة الكبير البشير الإبراهيمي كان يبيع الشحم، المادة الأولية للشواء أمام مسجد العتيق وسط عين والمان، والأجداد يقتنون منه على الدوام تلك المادة وربما يعد ذلك أحد أسرار شعبية الشواء عبر الأزمان أن حلت عليه بركة الشيخ الفاضل، حيث طورت بعدها الوسائل والطرق التي يشوى عليها اللحم، وكذا المعرفة الحقيقية بأبجديات ودقائق الحرفة والطهي، حسن استعمال الشحم اختيار كمية الملح وتحضير النار التي تعتمد على نوعية وجودة الفحم المستحسن أن يكون من أغصان البلوط. كما أن رب العمل مثله مثل كل العمال يقوم بتحضير الشواء ويسهر على راحة الزبائن. ففي الشارع الرئيس والطرقات الفرعية لعين والمان حركة حيوية تختلط فيها زحمة السير بدخان الشواء المتصاعد مما يوحي بوجود أكلة مشهورة هناك، فليس هناك أفضل من شواء اللحم ومشتقاته وكل ما تكرمت به المشواة التي لها تقنياتها وأسرارها التي تلتهب يوميا بدخان الفحم، حيث إن أول ما يلفت انتباه الزائر في الطرقات الفرعية للمنطقة وفي الشارع الرئيس هواة إعداد الشواء وجميعهم يقتنونها ويقدمونها للزبون بطريقتهم الخاصة وبأطباق متنوعة تمتد إلى مختلف أعضاء الخروف، وعلى الزبون أن يختار بين شواء اللحم أو الكبد أو القطع المختلفة كاللحوم وبالرغم من تشابه طرق تحضير الشواء في نظر الزبائن، إلا أن أحد رؤساء المطاعم أكد ل"البلاد" أن هناك سرا في هذا الشأن يحتفظون به ولا يكشفونه لأحد ورغم إلحاحنا، ولا يتميز شواء "عين ولمان" بنوعية لحمه ومذاقه فحسب ولكن وبدون شك أيضا بأسرار الطهي والتحضير التي تخفيها هذه المشاوي المصفوفة بشوارع هذه المنطقة. مذاق الشواء الحقيقي ولذته عند "عمي ساعد" و"احمد" و"عائلة دبابي" تتذوق الشواء في كل بقعة من أرجاء ولاية سطيف، وقد تتمتع بمذاقه أينما حللت، لكن مذاق شواء مدينة عين والمان يبقى مختلفا، فالمتعة لن تكتمل إلا وأنت تستمتع بلذة شواء عمي احمد، ساعد، دبابي وآخرين آثروا أن يحتفظوا بسر المذاق اللذيذ لأنفسهم، توارث طهاة الشواء على الجمر بالمنطقة المهنة، وتوارثوا معها أسرارا لا يعلمها إلا القليل ورغم أن الزبون لا يكاد يميز بين طريقة الطهي إلا أنه يلتمس الفرق بين شواء عين والمان وغيره، ويجد فيه متعة لا تضاهى ومذاقا رفيعا يقل نوعه في مناطق أخرى. وللتعرف على عراقة المهنة وأصالة ممتهنيها، اتجهنا إلى أشهر الشوائين بالمنطقة بدءا بمطعم "عمي ساعد" الذي يشهد إقبالا مكثفا للزبائن يتزاحمون عند مدخله من أجل الوصول إلى إحدى قاعاته الثلاث أو حجز مكان على مستوى شرفته المميزة المغطاة بالأشجار، بعد أن تسربت رائحته إلى أنوفهم واستهوت بطونهم، حيث يجب التحلي بالصبر للظفر بمكان داخل هذا المطعم الكثير الزبائن. وعند الجلوس أخيرا على طاولة من طاولات هذا المطعم يجد الزبون أكوابا من الهريسة وبعض الكمون وزيت الزيتون تساعد الزبون على الصبر ريثما يجهز الشواء الذي طلبه. "عمي ساعد" يشتغل بهذه الحرفة منذ أكثر من 20 سنة، حيث يمكن ملاحظة صاحبه أمام مشواتين موضوعتين بواجهة هذا المطعم الجميل وهو يشوي دون توقف مشابك اللحم وكذا الكبد والكلى، وبهذا المحل يشتغل حرفيون داخل المطبخ الصغير، حيث يحضرون مشابك اللحم بسرعة فائقة بمزج قطع اللحم والشحم داخل أعواد الشواء بالتناوب، حيث تمكن السرعة الفائقة لطهي الشواء من تلبية طلبات مستمرة بوتيرة عالية طيلة السهرة، بالإضافة إلى طريقتهم المميزة في استقبال زبائن مطاعمها وتلبية حاجياتهم من الشواء. فبهذه المطاعم ليست هناك حاجة إلى تقديم طلبات ثم انتظار تلبيتها ذلك لأن العاملين بهذه المطاعم لا يتوقفون عن الطواف حول طاولات الزبائن وهم حاملون صينيات بها كل ما لذ وطاب من أنواع الشواء.