* مصالح الامن تعيد فتح ملف الفساد بمؤسسة مناجم الذهب إينور * بوتفليقة أمر بكشف المتورطين و شكيب خليل منح الضوء الاخضر للاستراليين لنهب مليار دولار * المدير السابق لاينور عرض علي رشوة مقابل تقديم استقالتي * درجة الفساد الذي استشرى في إينور منذ مجيء الاستراليين لا يمكن تصورها. * فواتير لمقابس كهربائية و مسامير و غيرها، تشترى من مناطق نائية بأسعار تفوق 100 مرة قيمتها الحقيقية. تعد قضية تبديد نحو مليار دولار من خزينة الدولة و نهب الذهب الجزائري من قبل الاستراليين، واحدة من أهم فضائح الفساد المرتبطة بوزير الطاقة السابق شكيب خليل، لا تقل خطورة عن سلسلة سوناطراك، و مع هذا لم ينل أي من المتواطئين في تهريب المال العام العقاب. المدير الجهوي السابق للمؤسسة الجزائرية لاستغلال مناجم الذهب "إينور" بتمنراست قواس عديلة يكشف في هذا الحوار الأسباب التي تقف وراء تعثر التحقيقات و تحول دون أخذ العدالة لمجراها. مليار دولار تقريبا تم تبديدها منذ فتح رأسمال المؤسسة الوطنية لاستغلال مناجم الذهب "إينور" أمام الشريك الاسترالي "جي آم آي" في 2002، و مع هذا لم تتحرك أي جهة أمنية أو قضائية لفتح تحقيق جدي في القضية و تطبيق القانون على المتورطين، لماذا؟ في الواقع تم فتح تحقيقات عدة حول الفساد في مؤسسة إينور، لكن جميع هذه التحقيقات كانت تتوقف عند حد أو جهة معينة لا يمكن تجاوزها. رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بنفسه أمر بفتح تحقيق في 2011، لمعرفة من يقف وراء تكبيد خزينة الدولة مليار دولار في ظرف 10 سنوات، استفاد منها الأستراليين عن طريق النصب بتسهيل و تواطؤ من مسؤولين جزائريين. هذا دون التحقيق الذي أمرت به النيابة العامة و وكيل الجمهورية. بالإضافة إلى تحقيق أمر به وزير البيئة و تهيئة الإقليم عمارة بن يونس حول الاستعمال المفرط و غير القانوني لمادة السيانور السامة لفصل الذهب عن الحجارة في امسماسة بتمنراست، دون مراعاة الكارثة الايكولوجية التي تسببها هذه المادة الخطيرة. هل يمثل وزير الطاقة السابق شكيب خليل اليد التي كانت تمنع سير التحقيقات حول إينور؟ شكيب خليل يتحمل قسطا من المسؤولية، و لكن هناك جهة اخرى كانت تغطي على ما يحدث داخل مؤسسة استغلال مناجم الذهب. هل قامت نفس "الجهة" التي لا يمكن للنائب العام أو وكيل الجمهورية تخطيها بإيقاف التحقيق الذي أمر به الرئيس؟ هناك صراع أجنحة حاليا ، و هذا يخدم القضية لأن كل جناح يعمل في إطار تصفية الحسابات على كشف ملفات الفساد التي تدين الطرف الآخر، و الدليل سلسلة فضائح الفساد المرتبطة بعملاق النفط سوناطراك. و قد بدأت القضية تتحرك مجددا لأن هناك جهة تريد تفكيك ملفات الفساد، و إقالة المدير العام لإينور مصطفى بن زرقة من طرف الوزير يوسف يوسفي، و وضعه تحت الرقابة دليل على الرغبة في غلق هذا الملف نهائيا و محاسبة المتورطين فيه. ما هو الجديد في قضية الفساد بإينور؟ ملف القضية الآن بين يدي الديوان الوطني لمكافحة الفساد، الذي باشر تحرياته بهذا الخصوص، و قد استمع لأقوالي مرتين كما استمع لمسؤولين اثنين. كما أن مديرية الاستعلامات و الأمن بدورها فتحت تحقيقا لتقصي الأطراف التي تواطأت مع "جي آم آي" الاسترالية في تهريب الذهب الجزائري نحو سويسرا. هل يتحمل شكيب خليل وحده مسؤولية تبديد مليار دولار؟ خليل و المدير السابق مصطفى بن زرقة تواطآ مع الاستراليين في تحويل الذهب نحو استراليان، فشكيب خليل الذي كان وزيرا للطاقة آنذاك صرح في 2002 أن "فتح رأسمال إينور أمام الشركة الإيطالية جي آم آي التي تمتلك الخبرة و رأس المال من شأنه تطوير إنتاج الذهب في الجزائر"، و هو على دراية أن هذه المؤسسة في الحقيقة لا تمتلك لا المال و لا الخبرة، بل تم إنشائها قبيل أسابيع قليلة فقط من فتح أسهم إينور، و هذا تأكيد على أن مهمة الاستراليين في الجزائر كانت واضحة منذ البداية و نيتهم كانت النصب و النهب، و مع هذا وجدوا كافة التسهيلات و كانوا بعيدين تماما عن الرقابة بل يمكن القول غنهم كانوا يمثلون دولة خارجة تماما عن سلطة الجزائر. كما أن بن زرقة هو المسؤول الأول عن تقديم كافة التسهيلات للاسترالين من أجل النصب، و يتحمل مسؤولية استفادتهم من 67 مليون دج كقرض من البنك الجزائري الخارجي تحت غطاء استثمارها لتطوير الإنتاج في منجم تيراك بأمسماسة في تمنراست، بعد إشاعة خبر اكتشاف كميات ضخمة من الذهب بإمكانها رفع الإنتاج الوطني إلى 3 طن سنويا أي حوالي 270 كلغ شهريا، و تجعلنا نحل في المرتبة الثانية بعد الكونغو، وهذه كذبة كبيرة مكنت الاستراليين من المغادرة بحقيبة تحوي 67 مليون دج. هل تعرضت لمضايقات بسبب تكذيبك إمكانية إنتاج3 طن من الذهب سنويا؟ عندما رفضت التوقيع بصفتي مديرا جهويا على التقرير الذي أعدوه و فيه أن منجم تيراك قادر على تزويدنا ب3 طن من الذهب في السنة، تكلمت عن عدم وجود هذه الكميات الكبيرة من الذهب في تمنراست، و قلت إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إشاعة أطلقها الاستراليون للنصب علينا، اتهمت بإفشاء سر المهنة و تم توقيفي عن العمل و كنت المدير الجهوي الثاني الذي تتم إقالته بسبب رفض ما كان يحدث من تلاعبات. هل عرضت الأمر على السلطات القضائية أو دوائر وزارية؟ لما سمعت تصريحات المدير العام للمؤسسة الاسترالية دوغلاس بركينس عبر وكالة رويترز للأنباء، و هو يتحدث عن اكتشاف بالجزائر أكبر منجم للذهب في إفريقيا بعد الكونغو، اتصلت به لأخبره أن هذه الكميات مبالغ فيها بشكل كبير جدا، فأشار علي بعدم التدخل فيما لا يعنيني، و هو نفس الرد الذي وجدته عند بن زرقة الذي أخبرني أن هذا "ماشي شغلك" ثم قدمت تقريرا مفصلا للوزير شكيب خليل بالاضافة على ثلاثة رسائل لم يرد على أي منها، كما التقيته و وضعته في الصورة و لكن رده كان ان الأمر لا يخصني و علي القيام بعملي فقط. كما قدمت شريطا مسجلا يعرض أمام مجلس قضاء بئر مراد رايس، يحوي تسجيلا بصوت المدير السابق بن زرقة يعرض عليا رشوة مقابل تقديم استقالتي، و أو يضعني في السجن إن لم أقبل. و لكن العدالة رفضت الاخذ بالتسجيل بحجة أنه مسجل "بطريقة غير قانونية"، حيث لابد من تصريح من وكيل الجمهورية حتى تأخذه بعين الاعتبار. كيف تمكن الاستراليون من تهريب مليار دولار و الإفلات من السلطات الجزائرية؟ مؤسسة جي آم آي الأسترالية لم تكن خاضعة تماما للقانون الجزائري، و كافة المعاملات التي أجرتها طيلة فترة تواجدها بالجزائر منافية للقانون، و إينور لم تكن تملك لها أي سلطة أو قرار لأن الأستراليين يمتلكون حصة 52 سهما و بالتالي هم من يتحكم في مجلس الإدارة. و جي آم آي كانت تستعمل عدة طرق للتحايل، فبالإضافة إلى 67 مليون دج التي استلمتها دفعة واحدة من البنك الخارجي، على أساس استثمارها في استيراد معدات متطورة ترفع إنتاج الذهب إلى 270 كلغ شهريا، في حين أن إنتاجها لم يتجاوز 45 كلغ شهريا و كان يتم في مصنع قديم اقتنته سوناطراك من جنوب إفريقيا. كانت هذه المؤسسة تقوم بتهريب الذهب في شكله الخام إلى سويسرا بحجة تنقيته من الشوائب، بالرغم من امتلاكنا في الجزائر لمعدات التحويل و عدم حاجتنا لنقله إلى الخارج من أجل تصفيته. و لا أحد من المسؤوليين الجزائريين يعلم الكميات التي تم تصفيتها من الذهب و الفضة. كما كانت تهرب عن طريق جلب أفارقة يدخلون الترلااب الوطني بصفة سواح، و تقيدهم في الملفات كعمال و في الواقع لم يكونوا يقومون بأي عمل، بأجرة شهرية أدناها لا يقل عن 50 مليون سنتيم. و قد كانت هذه الأجور تحول على حساب مصرفي في لندن باسم جي آم آي، ثم يتم الاقتطاع منها و لا يمنح لهؤلاء العمال الأفارقة سوى مبلغ زهيد عبارة عن "فتات"، و هذا بالرغم من أن القانون الجزائري يمنع توظيف الأجانب الذين المقيمين بصفتهم سائحين، و أيضا يلزم بدفع أجرة العامل الأجنبي في حساب مفتوح بالجزائر و ليس في بلده الأصلي أو بلد آخر، و يشترط دفع هذا العامل لاشتراك الضمان الاجتماعي كأي مواطن جزائرين و لما يغادر يحصل على وثيقة من البنك الخارجي بقيمة المال الذي جناه حتى يتحصل على تصريح بنقله معه. يعني أن الاستراليين طيلة تواجدهم في تمنراست كانوا فوق القانون الجزائري؟ درجة الفساد الذي استشرى في إينور منذ مجيء الاستراليين لا يمكن تصورها، بداية عندما وقعوا عقد الشراكة و نالوا 52 بالمائة من الأسهم، العقد كان يلزمهم على الاستثمار ب14 مليون دولار و لكنهم لم يدفعوا سنتيما واحدا بل على العكس نهبوا مليار دولار، و كطريقة للتحايل أعلنوا عن استيراد مطحنة حجارة ضخمة بقيمة 14 مليون دولار من جنوب إفريقيا، و هي المطحنة التي لم تدخل أبدا الى الجزائر لغاية يومنا هذا. أضف إلى ذلك الآلات "الخردة" التي اقتنيت فقط من أجل تضخيم الفواتير و تهريب الأموال، فعلى سبيل المثال استوردوا سيارة إسعاف من نوع تويوتا يعود ترقيمها إلى السبعينات، من اندونيسيا حيث نقلت إلى دبي ثم مالطا قبل أن تحل بالجزائر . جي آم آي عبارة عن مافيا منظمة عابرة للحدود، في إحدى المرات تأخرت في مكتبي، فلاحظت إرسال و استقبال فاكسات غريبة بداية من الواحدة ليلا، عندما اطلعت عليها وجدت فواتير لمقابس كهربائية و مسامير و غيرها، تشترى من مناطق نائية بأسعار تفوق 100 مرة قيمتها الحقيقية. وقد تنقلت شخصيا إلى أحد العناوين التي كانت مدونة في الفواتير على أنها شركة إنتاج مواد كهربائية، و وجدت أن المؤسسة وهمية حيث لم أجد مكانها سوى معصرة زيت مهجورة. ما هي كميات السيانور التي استعملت في امسماسة؟ كميات السيانور التي استخدمت من 2007 إلى 2012 تعادل 600 طن، و هي كمية كفيلة بجعل تمنراست رقان ثانية إذا ما قارنا حجم الخطر على البيئة و الإنسان، خاصة و أن الثروة المائية الجوفية في المنطقة على بعد 9 أمتار عن سطح الأرض، و الأستراليون ادعوا أنها على 90 متر، و هذا يعني أن المياه الجوفية بالمنطقة مسمّمة و هي منطقة مأهولة. لو وضعنا 10غرامات أي مقدار ملعقة صغيرة تقريبا من السيانور في خزان الماء، ستتسمم القرية عن كاملها فما بالك ب600 طن.