عمّقت الخرجات الإعلامية المتتالية للرئيس بوتفليقة "عزلة" الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، الذي ألهب الجدل في الساحة السياسية الوطنية حول صراع مفترض بين رئاسة الجمهورية وجهاز الاستخبارات بتصريحات نارية استهدف فيها الجنرال محمد مدين المعروف باسم توفيق، رئيس دائرة الاستعلام والأمن التابعة للجيش الوطني الشعبي. ويعتبر تصريح بوتفليقة بمناسبة اليوم الوطني للشهيد الذي قرأه نيابة عنه وزير المجاهدين محمد الشريف عباس أمس بمثابة "الإنذار الأخير" لزعيم الأفلان بعد تحذيرات مشفرة تضمنتها رسالة التعزية التي وجهها الرئيس إلى نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد ڤايد صالح، وإلى كافة عائلات ضحايا حادثة سقوط الطائرة العسكرية قبل نحو أسبوع وقالت قيادة الأفلان حينها إن "سعداني غير معني بانتقادات الرئيس". و لأن أعضاء المكتب السياسي للحزب أكدوا أن تصريحات الرئيس الأولى جاءت بشكل عام وموجهة خصيصا للفعاليات السياسية التي أدلت بدلوها في الجدل الذي لم يكن حكرا على المسؤول الأول للأفلان من خلال انخراط جل الأحزاب والشخصيات بالتأويلات والنداءات على مقربة من الرئاسيات فكان لزاما -حسب ملاحظين- أن يسمي القاضي الأول للبلاد الأسماء بمسمياتها، خاصة أنه وصف هذه الحملة في رسالته الأولى ب«التكالب" لما قال "لقد اعتدنا على الأجواء التي تخرقها بعض الأوساط قبيل كل استحقاقات، لكن هذه المرة وصل التكالب إلى حد لم يصله بلدنا منذ الاستقلال.. فكانت محاولة المساس بوحدة الجيش الوطني الشعبي والتعرض لما من شأنه أن يهز الاستقرار في البلاد وعصمتها لدى الأمم.. لا يحق لأحد مهما تعالت المسؤوليات أن يعرّض الجيش الوطني الشعبي والمؤسسات الدستورية الأخرى إلى البلبلة". وحملت البرقية دعوة صريحة إلى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، ومعه رؤساء التشكيلات السياسية بضرورة الكف عن تصريحاته التي هزت الساحة السياسية مؤخرا. وجاءت نبرة رئيس الجمهورية في خرجته الثانية أمس أكثر حدة إزاء ما خلفته تصريحات الرجل الأول في الأفلان، خاصة عندما قال "لا يحق لأحد أنى كانت مسؤولياته أن يضع نفسه، نشاطه وتصريحاته فوق أحكام الدستور وقوانين الجمهورية". وبدا الرئيس بوتفليقة مقدّرا ل«ثقل" الاتهامات التي وجهها سعداني في حق "المخابرات"، ومقدّرا أيضا حالة التعفن التي وصل إليها الوضع، وما سينجر عن كل هذا مستقبلا من تجاوز للخطوط الحمراء، من خلال قوله "إن ما يثار من نزاعات وهمية بين هياكل الجيش الوطني الشعبي ناجم عن عملية مدروسة ومبيتة غايتها ضرب الاستقرار من قبل أولئك الذين يغيظهم وزن الجزائر ودورها في المنطقة". وذكرت مصادر مطلعة أن تكثيف رئيس الجمهورية للخرجات الإعلامية في ظرف أسبوع واحد يأتي استجابة لنداءات الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية التي دعته إلى إنهاء الحدل الذي وصلت شضاياه للعمود الفقري للأمن والدفاع الوطني في ظرف حساس تميزه الاضطرابات في بلدان الجوار.