بدوار العوامرية بولاية المدية حيث برنامج في كل مفترق طرق، نافورة، تسر الناظرين و''العاطسين'' و''العاطشين''، من العطش، وصلنا الخبر ''الحميري'' التالي: مزارع من ''عامة'' القوم تعرض لاغتيال بشع من طرف أقرب ''حمار'' لديه، الحمار الذي تحمل معه حر وقر السنوات العجاف، صنع نهاية المأساة بين الراكب والمركوب، بعدما ثار على راكبه ليطرحه ''عضا''، وليس صكا، كما سنة الحمير السالفة الركب، لتسجل بذلك سابقة حيوانية في تاريخ ''الحمير'' مفادها أنه حتى الحمير ''المسالمة'' والخانعة والراضية براكبها وبحمولة السنون. أضحت أدوات قابلة للثورة وللعض، إذا ما زاد الشيء أو''الركب'' عن حده! الحكاية وما فيها، أبسط من أن تكون حدثا وموضوع جدل. فحوادث ''الصك'' منذ القدم حرفة ''حميرية'' بحتة وضحايا ''النهيق'' بالعشرات والمئات والألوف وغالبا ما كان التفسير المصاحب تلك الظواهر المعزولة، أن حادث ''سير'' حميري أدى إلى وفاة صاحبه، فسنة الراكب والمركوب رسخت مبدأ أنه مادام هناك مصكوك فإنه بالضرورة يوجد ''صاك''، لا يهم إن كان حمارا أو''جبارا'' أولاعب ''كارتي'' محترفا. لكن الغريب في واقعة العوامرية بالمدية وفي حكاية الحمار ''العاض''، حيث ''النافورات'' عنوان لملايير ''يرحيها'' الماء أو ''ترحيه''،في تأكيد أن ''الماء'' لم يعد للشرب ولكن ''للزينة''، أن الحمار المعروف على أنه ''أصبر'' حيوان في الوجود، أصبحت له أنياب، أول ما عض، عض راكبه، لأن ذاك ''الراكب''، استخف بصبر المركوب، فمارس ضده كل أنواع القهر والإذلال والاستبداد، فكانت النتيجة أن الحمير إذا ما زاد كيلها وإذا ما ''طلعلها الغاز'' فإنها تتحرر من صبرها، فتمسخ إلى وحوش ''تعض'' وتنهش وتفتك براكبيها، فحذار فكما الكلاب تعض فإن الحمير تعض، ومسألة العض لم تعد حكرا على حيوان بذاته، فالضغط يولد ''الأنياب'' والانفجار تحصيل حاصل لمعادلة الضغط و''التعفاس'' والقهر الممارس، سواء كان المقهور حمارا أو إنسانا.. زمن الكرة التي تغطي الغابة ولي إلى غير رجعة، ومؤشرات ''اللعب'' المفتوح بين ''الراكب'' والمركوب دشنها منتصف الأسبوع الفارط بطالون من ورفلة، لم يجدوا أمام ''الصمم'' والعمى والتجاهل الرسمي، لحقهم في ''العمل'' بدلا من ''الموت''، سوى التهديد بالانتحار الجماعي من على بناية مديرية التشغيل بذات الولاية، وذلك في احتجاج على مدير، كان الوالي، والمفتشون ومختلف الأجهزة بالإضافة إلى ''ذراري'' المقاهي، يعلمون أنه احتكر مناصب الريع والعمل لعائلته بداية من صهره ووالده وأخيه ووصولا إلى ما هو مجهول من مقربين و''محببين.. حكاية المدير إياه كانت معروفة و''معزوفة'' في ورفلة منذ القدم، ومسألة التشغيل تلك لم تكن وليدة الأمس، ولكنها كانت تحصيل ''حاصد'' لاحتجاجات سابقة، كان الوالي والوفد ''المنافق'' له، يعدون بحلها كل ما تأججت ثورة الغضب، لتكون النتيجة، كما رأينا وكما تابعنا على المباشر، عشرات من البطالين في أغنى منطقة بالبلاد، زال عنهم مهدئ ومخدر الكرة، فا اعتنقوا شعار ''الموت أو العمل'' في تمرد من مركوب على راكب، استخف قومه فثاروا عليه ليفضحوه ويفضحوا معه دويلات المال والنفوذ والمحسوبية التي عششت وعاشت على حساب دولة القانون. وبغض و''عض'' النظر عمن حرك ''انتفاضة'' البطالين، ومن أدارها خلف الستار، إلا أن الثابت أن المدير الذي استحوذ على مناصب العمل لوالده، ولأخيه ولصهره، ما كان له أن يتجرأ على فعلته تلك، لولا أن وراءه ''واليا صامتا'' وأجهزة غاضة للبصر، ومشلولين أو''مسؤولين'' مركزيين يشدون في أزره يبيضون صورته أمام الوزير وأمام من يهمس في أذن ''الوزير''.. القهر والإذلال، و''التشوكير'' تولد الانفجار والانشطار، ففصيلة الحمير، مثلا، تعلم أنها خلقت ''لتركب'' وتحمل الأسفار، وهي راضية بقدرها وقدرتها، ولم يحدث أن تجرأ أو طمع حمار في منافسة حصان في سباق خيل، أو في تقليد تقنية الكلب في ''العض'' والنبح، فالحمار على يقين أنه حمار، يمتهن ''النهيق'' ويصك عند الضرورة القصوى، لكن حينما يزيد الحمل عن طاقته، وحينما يقرر مزارع ما أن يضيف لمهمة الحمار ''المهادن'' والمسالم والخدوم، مهمة أن يربط ويضرب، ويقيد بالسلاسل، فإن النتيجة كما ترون وكما تعلمون، لقد تأقلم حمار ''العوامرية'' بالمدية مع محيط القيد والضرب والقهر، فتحول إلى حمار ''عاض''، اكتسب أنيابا مثله مثل أي وحش، ليقتل صاحبه في أول مواجهة بين راكب ومركوب، فرضت عليه ظروف الضغط والقهر والقيد لأن ''يتكلب'' ويتوحش.. فاتركوا للحمير ''براءتها'' وحكمتها وخنوعها وقدرها المركوب، ووفروا لها حقها في العلف والكلأ.. فالحمير إذا ما ''توحشت'' فإن خطرها سيكون خطرين، كونها ستضيف إلى تقنيتي ''الصك'' و''التزعبيط'' المتعارف عليهما تقنية ''العض''، وبذلك فإن التحكم في ''ثورتها'' سيكون مهمة شبه مستحيلة.. فهل تراهم يفهمون رسالة حمار ''العوامرية'' وما فعل في من كان رفيق ''حمله''..؟ نهاية الأمر.. مأساة حمار ''العوامرية'' بولاية المدية، لم تكن سابقة جزائرية بحته.. فالعزيزة مصر التي نشترك معها في جنون و''شقاوة'' الكرة، يظهر أنها كانت مصدر العدوى الحميرية، ففي منطقة ''العامرية'' (؟؟) بالإسكندرية انقض حمار على صاحبه وعضه في رقبته، فيما بدا احتجاجاً على سوء معاملته، ولم يتركه إلا جثة هامدة. وترجع وقائع الحادث حينما قام المزارع بمنطقة ''العامرية''(؟؟) بالإسكندرية، بتقييد حماره من قدميه بأسلاك حديدية، فأصيب على إثرها الحمار بحالة من الغضب وهياج شديد وعندما حاول المزارع الاقتراب من حماره انقض عليه الحمار فجأة، وعضه كأنما ينهش أو يلتهم رقبته، ولم يتركه إلا جثة لا حراك بها.. ومكمن الغرابة بين الحدثين أن القاسم المشترك بين حمار ''العوامرية'' بالجزائر، وحمار ''العامرية'' بمصر، لم تكن فقط في أن بطلي المأساة حماران تقاطعا في اكتساب العض، ولكن حتى في تسميات المناطق التي حدثت فيها الواقعتان، فعوامرية عندنا وعامرية عندهم. فهل هي المصادفة أم تراها رسالة الحمير للراكبين في كلا القطرين؟ هادئة