لم تعرف الولاياتالمتحدةالأمريكية مرحلة من الارتباك مثل التي تمر بها منذ تردي الوضع في العراق واستفحال شوكة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف اختصارا ب"داعش"، فقد أدى التردد في الحسم واتخاذ القرارات إزاء المخاطر الحقيقية التي بات يشكلها هذا التنظيم على المصالح الأمريكية، إلى حالة من الارتباك في التعامل مع المعطيات والمستجدات الأمنية التي قلبت كافة الحسابات الإقليمية سواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو في الخليج العربي. ومن الواضح جدا أن الوضع الأمني في البلدان العربية أصبح متشابها أو متطابقا بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية التي لم تتردد في إصدار نشريات تحذّر من الوضع الصعب في العالم العربي، بما في ذلك بالنسبة إلى الدول التي تعرف استقرارا أمنيا واقتصاديا وسياسيا كما هو الحال مع الجزائر التي رفضت وزارة خارجيتها التقرير الأمريكي المحذّر من الوضع الأمني في بلادنا، وواضح أيضا أن هذا الملف لا يختلف من دولة إلى أخرى بالنسبة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي باتت مرعوبة من خطر "داعش" بفعل ما يحدث في شمال العراق وفي قطاع واسع من الشام، وما تنشره الآلة الإعلامية الرهيبة لداعش من مقاطع وأفلام توّثّق لكل معاركها في المنطقة. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما تردد أكثر من مرة في دخول المواجهة مع التنظيم الذي تمكن في ظرف قصير من السيطرة على أجزاء واسعة من سوريا وثاني أكبر المدن العراقية وشمال العراق، ومنذ الأسبوع الأول لشهر جوان وإلى غاية نهاية شهر جويلية لم يحسم أوباما بشكل قاطع وواضح في موقف بلاده مما يحدث في العراق، حيث أوعز الكثير من المحللين ذلك إلى حسابات سياسية أرادت من خلالها الولاياتالمتحدةالأمريكية دفع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى الانسحاب من الساحة السياسية لفائدة مقاربة جديدة تقوم على أنقاض تداعيات انهيار الجيش العراقي في الشمال وسيطرة داعش على مسالك وأرض تلك المنطقة الجغرافية منه. ورأى محللون أن حسابات الضغط على المالكي وإيران لصالح تيار من السنة العراقي الموالي للمملكة السعودية سيكلف الولاياتالمتحدةالأمريكية كثيرا بعدما تمكنت "داعش" من إحكام سيطرتها على مقدرات الجيش العراقي وعلى فرق وفيالق شهيرة من الجيش السوري، وأن التأخر الذي سجله التدخل الأمريكي في المنطقة سيكلفها متاعب كبيرة. بما أن المعركة أيضا تخص الوقت والتوقيت فإن الإدارة الأمريكية سارعت إلى نشر تقارير تحذر من الوضع الأمني في بعض دول شمال إفريقيا والمغرب العربي بما في ذلك الجزائر التي انتقدت التقرير الأمريكي الذي استند إلى معايير غير موضوعية في الحكم على هذا الوضع، والجميع يدرك الفرق بين الحالة التونسية والليبية والمصرية والوضع في الجزائر الذي يتميز بالهدوء والاستقرار والذي لا يحمل أي مؤشرات تردي باستثناء التهديدات القادمة من الخارج بسبب الحدود وما يحيط بها من أخطار الأزمة التونسية والليبية والمالية، وكلها أخطار يجري التعامل معها بشكل دائم على مستوى الجهات الأمنية، لذلك بدا من الواضح أن إرهاصات الوضع في العراق وفي سوريا أثرت كثيرا في صناعة الموقف الأمريكي من الوضع الأمني في الجزائر ودول أخرى.