تجاوز الجدل حول جدوى استغلال الغاز الصخري في الجزائر وتبعاته البيئية والصحية على المواطنيين، قبة البرلمان وقاعات التحرير وتقارير الخبراء، ليحتضنه الشارع وينتفض بسببه الآلاف من سكان الجنوب ومدينة عين صالح، مكان أول الآبار التجريبية لاستخراج غاز الشيت في الجزائر، وينظر السكان لتلك المنشآت الحفرية الوقعة على بعد 60 كيلومتر من وسط المدينة بعين قلقة، خصوصا بعد تجاهل الوفد الوزاري المكون من وزراء الطاقة والبيئة والموارد المائية خلال زيارتهم مؤخرا لمنطقة الأشغال، المجتمع المدني، رافضين خطاب التطمين الذي خاطبوا به السكان من شاشات القنوات وصفحات الجرائد ومطالبين بلجان مستقلة من الخبراء، وبحضور الوزير الأول شخصيا. السكان: مخاوف تبحث عن تطمينات ملموسة تنطلق أصوات المناهضين لعمليات استخراج الغاز الصخري من مبدأ رفضهم المخاطرة بالنظام البيئي والثروة المائية الضخمة الجاثمة تحت الكثبان الرملية والتي يعد المساس بها انتهاكا لحياة قاطني الصحراء ومواردهم الأساسية، "فالغاز الصخري" لا يهدّد حياة الجزائريين من منطلق الاستهلاك المباشر، حسبهم، إنما تأتي مخاطره جراء عمليات الاستخراج التي تتطلب استعمال مواد كيمياوية خطيرة وتقنيات التكسير الهيدروليكي، هذه الأخيرة التي قد يتسبب أي صدع طفيف في البنية التي تحيط بأنابيب الاستخراج في تلويث المياه الجوفية في الصحراء ونقل عدوى الإصابة بالأمراض السرطانية، نتيجة تواجد كميات من غاز "البنزول" إلى جانبها، هذا الغاز الذي يعتبر مادة مسببة للأمراض السرطانية، وأمراض أخرى ناجمة عن تلوث الماء بكميات مواد مشعة مثل اليورانيوم المتواجد بكثرة في باطن الأرض بمنطقة عين صالح. الحكومة: نقاش الغاز الصخري مستورد من بلدان لا نقاسمها الخصوصيات نفسها من جهة أخرى، ترى وجهة النظر الحكومية أن مخاوف استخراج هذا النوع من الموارد الأحفورية غير التقليدية مبالغ فيه، وأن الأفكار التي يبني عليها المناهضون حركاتهم الاحتجاجية مردها نقاش مستورد من فرنسا ودول رفضت استغلال الغاز الصخري فيها لوقوعه في مناطق حضرية سكنية، وقال وزير الطاقة يوسق يوسفي في هذا السياق إنه لا يمكن استنساخ تجارب دول أخرى في هذا الموضوع وتطبيقها على الجزائر، لأن كل دولة لها خصوصيتها، فالغاز الصخري سيستخرج في الجزائر من مناطق غير آهلة بالسكان وبعمق لا يؤثر على المياه الجوفية التي يتم العمل على استرجاعها ومعالجتها. المجتمع المدني: استغلال الغاز الصخري جريمة في حق الإنسان والطبيعة وكانت الجمعية الوطنية لحرية المواطنين قد أعلنت رفضها لاستغلال الغاز الصخري بالجزائر، معتبرة أن استغلال هذا المورد سيكون مدمرا بدل أن يحافظ على مستقبل الأجيال القادمة. وأوضحت الجمعية أنها تعارض ب"شدة" استغلال الغاز الصخري، لأسباب سياسية وأخرى اقتصادية وإيكولوجية وجيواستراتيجية، معتبرة أنه "جريمة في حق الإنسان والطبيعة بحكم خطره البيئي". فيما دقت العديد من الجمعيات البيئية ناقوس الخطر وتقدم ناشطون في شبكات التواصل الإجتماعي بحملة جمع توقيعات ضد المشروع. مهندس البترول الجزائري عصام بولعجل من كندا: "على القائمين على مشروع عين صالح نشر تقرير جيولوجي لتحديد المخاطر" أكد مهندس البترول الجزائري في كندا، عصام بولعجل، أن مخاطر استخراج الغاز الصخري على البيئة تبقى موجودة في كل مشروع لاستغلاله، غير أن درجة الخطورة تختلف من منطقة إلى أخرى حسب التركيبة الجيولوجية لكل منطقة، وعلى أساس ذلك لا يمكن الجزم بحدوث الآثار السلبية نفسها في مناطق تعرضت للتلوث. وشدد الخبير الذي يشغل حاليا منصب مهندس بترولي في إحدى الشركات الكندية على ضرورة أن ينشر القائمون على مشروع استخراج الغاز الصخري في منطقة عين صالح تقريرا جيولوجيا يحدد درجة مخاطر حدوث تسريبات كميائية، وطرح عصام بولعجل خلال محادثة هاتفية في حصة "البلاد اليوم" التي تبث على أثير قناة البلاد الفضائية الجزائرية عدة تساؤلات حول امتلاك الجزائر لتكنولوجيا متقدمة لاستخراجه، معتبرا أن تقنية التكسير الهيدروليكي رغم كل ما بلغته من تقدم، فإنها تبقى غير متحكم بها مائة بالمئة. كما أن بيئة طبقات الصخور الصلصالية معقدة وترتبط بعضها ببعض وتحتوي على جيوب ترسبات قد تتسرب منها مواد كميائية إلى المياه الجوفية. ودعا الخبير إلى تطبيق النموذج الكندي، حيث تم تخصيص مجلس حكومي خاص مكون مائة بالمئة من خبراء تقنيين بعيدا عن القرارات السياسية تعود إليه كل قرارات حفر واستغلال آبار الغاز الصخري بعد القيام بدراسة تقنية لكل منطقة على حدة. ورغم المخاوف المرتبطة باستغلاله، أفاد بولعجل أن الغاز الصخري يبقى موردا طاقويا مهما وورقة أساسية خصوصا بالنسبة للأجيال القادمة.